غير مصنففنون

الحرب تحاصر الفن في اليمن

لم تترك الحرب في اليمن شيئاً إلا طالته فمثلما أنهكت الحرب الناس، واختطفت أرواحهم ودمرت منازلهم وممتلكاتهم، امتدت لتصل إلى الفن، فخفت صوته وارتفع صوت الرصاص، وبات الحديث عن الفن مجرد ترف في بلد لا يكاد يوم يمر دون ضحايا. يمن مونيتور/ خاص/ من وئام عبدالملك
لم تترك الحرب في اليمن شيئاً إلا طالته فمثلما أنهكت الحرب الناس، واختطفت أرواحهم ودمرت منازلهم وممتلكاتهم، امتدت لتصل إلى الفن، فخفت صوته وارتفع صوت الرصاص، وبات الحديث عن الفن مجرد ترف في بلد لا يكاد يوم يمر دون ضحايا.
الفن الذي كان قد بدأ ينتعش في اليمن، يبدو أن عمره ينقضي بسرعة، لكن مريديه، يتشبثون بأحلامهم، ويثبتون أقدامهم في أديم الأرض، التي هزت المدفعية سطحه من تحت أقدامهم، وطغى صوتها، على أصوات موسيقى آلاتهم وحناجرهم.
 
أحلام تتلاشى
يقول الفنان الشاب “أيلول السقاف” إن الحرب أثرت كثيرا على نفسية الفنان، وهي مصدر إحساسه بما يغني، وأًصبح من الصعب عليه أن يغني أو يعزف، وهو يسمع أصوات الانفجارات، وكل ما يبعث في الروح عدم الاستقرار والقلق والقبح”.
ويضيف في حديثه لـ”يمن مونيتور”، أن الانقطاعات المتكررة للكهرباء عرقلت عملهم، وجعلتهم لا يتمكنوا من القيام ببروفات كافية قبل أداء العمل”، لافتاً إلى أن “العديد من الحفلات تأجلت، بعد انفجار الوضع في كل اليمن، وقلّ عددها كثيرا، بسبب نقص الدعم، بعد أن تضرر الاقتصاد في البلد، فانعكس ذلك على حياة المواطن”.
يتابع “أيلول”، “أصبح من الصعوبة بمكان، العثور على شركات تقدم تخفيضا أو تنتج فنية مادة ما، بعد أن ارتفعت تكلفة الإنتاج، فأصبحت الشركات والأستدويوهات تخسر، وأغلقت الكثير منها أبوابها، وأصبح الفنان عاطلا عن العمل، والعمل الفني لم يعد حيا، إلا في مناطق محددة في اليمن، وبشكل بسيط”.
وحين أصبح الوجع هو المسيطر على أرواح الناس، أصبحت نفوسهم لا تهفوا إلى سماع موسيقى، أو أغنية ما.
من جهته، يقول المنشد “أيمن هيسان” إنه “ودع العام 2015م، بوصفه كابوسا، ومع ذلك، بإمكاننا أن نواصل المشوار الفني، ونقتنص الفرص، لكن لا نستطيع أن نفرح أو نغني، في الوقت الذ وطننا فيه ينزف، وأبناؤه تقتلهم الحرب”.
في زمن الحرب، حلّ الخوف، واحتضر الفن، هذا باختصار ما يحدث، وصار الفن بدلا من أن يرسم ضحكة، أو يورث قلبا سعادة، أصبح مصدر خوف للفنان، واضطراب لنفس المستمع.
أثرت الحرب على نفسية هيسان، الذي يضيف “الأهل أصبحوا لخوفهم علينا، يمنعوننا من حضورنا أي حفل أو مهرجان، وخلال هذه الحرب تم إلغاء أكثر من مهرجان وحفل تم التحضير له، كما أن أكثر الشركات أًصبحت ترفض إخراج أدواتها من كاميرات وغيره، وتوقف إنتاج العديد من المواد الفنية، وأصبحنا نخاف السفر إلى أي محافظة أخرى للمشاركة في حفل ما، بسبب الوضع والتقطعات في الطرق”.
ولكن وعلى الرغم من كل المعوقات، يحاول “هيسان” أن يصمد، لأجل الوطن، ولرسم الابتسامة في وجوه كل من لا يزال يرغب في أن يعيش، ويستدرك هيسان:” نحن ننشد بكلمات حزينة فرضها علينا الواقع، لكن لا ننسى أن نتطلع إلى بناء اليمن، ونحن ننشد”.
 
الفن يقاوم
يرى الفنان “عبدالرحمن منتظر”،  أنه من الطبيعي أن ينعكس الواقع المحيط بالفنان على أعماله، وبالأخص إن كان هذا الواقع “ثورة”، وهنا تأتي المهمة الحقيقية للفنان بأن ينحاز لشعبه ويسخر كل ما يملكه في سبيل الثورة”.
ويتابع لـ”يمن مونيتور”، “صحيح بأن الأعمال الإنتاجية الأخرى التي لا تتعلق بالثورة، توقفت في مدينة” تعز”، في الحرب الأخيرة في المدينة، إلا أن الثورات ساهمت في انطلاقة وشهرة كثير من الفنانين، على الرغم من تأثر الحقل الفني بشكل كبير جرّاء الحرب”.
 
قمع
يؤكد عبدالرحمن أنه “حين تكون دولة الظلم لا تزال مسيطرة على الأرض، فمن المؤكد أن الضغط سيكون شديدا، على كل فناني الثورة، بالذات البارزين منهم والمؤثرين، فتصبح خطواتهم مرصودة، وتحركاتهم صعبة للغاية، سواء فيما يتعلق بأعمالهم وإنجازاتهم الثورية، أو فيما يرتبط بمصالحهم الشخصية، وعملهم الخاص، وهذا الضغط قد يجعل البعض يتوقف عن أداء واجبه؛ حفاظا على الروح، لكن الأحرار الحقيقيين يستمرون بالنضال إلى لحظة الانتصار أو الاستشهاد”.
 
هجرة الفنانين
فترة الحرب هي فترة ألم ومعاناة، وتسببت كما يروي لـ” يمن مونيتور” المخرج عبدالله يحيى إبراهيم، بهجرة الكثير من الفنانين والمنشدين، بعد أن اضطرتهم للسفر إلى الخارج، للبحث عن ملاذ آمن، أو للبحث عن فرص أخرى لهم.
يضيف، “لا زال بعض الفنانين يعانون داخل الوطن بسبب الأزمة الحاصلة في البلد، وهناك فنانين يحاولون بقدر استطاعتهم أن يظهروا في ظل هذه الظروف، ليقدموا شيئا ما من أجل الفن، حتى لا تموت رسالته السامية، ولدوره الكبير في توعية الناس، وقدرته على مناقشة قضاياهم وإيصالها بكل اللغات”. حسب إبراهيم.
وعن تجربته يقول، “أنا شخصيا أحاول أن أبعث روح الفن التي ماتت بسبب الحرب، وأقول لكل فنان بأن الفن والوطن والجميع بحاجة له، وبحاجة إلى الأعمال التي توجه الناس، وتوصل رسالة ما تساعد في بناء الوطن، وليبقى الفنان فاعلا ومشاركا في الحياة، وليؤدي الجميع الدور المنوط بهم من أجل الوطن”.
ويضيف، “نحن نحاول أن نقدم رسالتنا بالشكل المطلوب، ونسعى لإقامة مهرجانات، ونحفز أنفسنا على أن نكون قادرين على خلق فنا مختلفا من هذه الظروف الصعبة، فالمعاناة تولد الإبداع”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى