اخترنا لكمتراجم وتحليلاتغير مصنف

عدن.. ماذا يصنع “عمار صالح” بعيدا عن الأضواء؟ (تحليل)

هذا الاستعداد الداخلي والخارجي لدى الرأي العام الشعبي والرسمي لتفسير كل شيء بأنه متعلق بالفدرالية والانفصال، يوافق هوى الانتقالي ليخفي دوافع سلوكه، يمن مونيتور/ تحليل خاص/ من عبدالملك الطيب: 
يتنامى الاستعداد اليمني الداخلي والإقليمي والدولي لتفسير أي أحداث في عدن والمحافظات الجنوبية بأنها تأتي ضمن الصراع على “الفدرالية والانفصال”، حتى الأحداث الجسيمة كالاشتباكات المسلحة التي جرت في الثلاث الأيام الأخيرة من يناير الفائت وخلفت عشرات القتلى والجرحى، أخذت هذا التفسير من مختلف وسائل الإعلام، وبالتالي مختلف الأطراف السياسية، بما في ذلك المواقف الرسمية الإقليمية والدولية.
حرص “المجلس الانتقالي” على منح تلك الأحداث ذات الغطاء، ليوحد بذلك صفوف مقاتليه ومؤيديه، ويقدم نفسه إليهم وإلى معارضيه من داخل الحراك المتبني للانفصال بأنه الحامل لـ”القضية الجنوبية”، والأهم من ذلك: ليواري دوافعه الحقيقية خلف هذه اللافتة، ويلتمس بها العذر عند جماهيره عن أخطائه.
عقب اتفاق منتصف يناير الفائت بين السعودية والحكومة اليمنية على تسليم مهمة تأمين ميناء عدن لقوات حفر السواحل التابعة للحكومة، خرج عيدروس الزبيدي –رئيس الانتقالي- مطالبا بإقالة الحكومة بتهمة الفساد، ومحددا لذلك مهلة أقصاها أسبوع واحد، وبمجرد انتهاء المهلة، انطلق الخيار العسكري بين الانتقالي وقوات الحزام الأمني من جهة، وبين قوات الحكومة المعروفة بـ”الحماية الرئاسية” من جهة أخرى، ومن اللحظة الأولى أخذت الحرب في الخطاب الإعلامي والسياسي الداخلي والإقليمي والدولي طابع الحرب تحت لافتة التباين بشأن “الفدرالية والانفصال”.
في السياق، تشهد المحافظات الشمالية معارك مستمرة ضد الحوثيين، وفيما يفترض بالمحافظات الجنوبية أن تمثل بالنسبة لها الامتداد والعمق، إلا أن الانتقالي المسيطر على منافذها عبر قوات “مستعارة” من الداعم الإماراتي، أغلق دونها هذه المنافذ من الداخل الجنوبي وبشكل شبه تام، وما تزال المضايقات والتعسفات لأبناء المحافظات الشمالية وجرحى الجبهات مستمرة على هذه المنافذ، ووكل ذلك يجري تحت ذات اللافتة رغم أنه لا علاقة له عمليا بالفدرالية والانفصال، ولا يزيد أثره على تضييق الخناق على الجبهات العسكرية في المحافظات الشمالية، في اتجاه مناقض لمعركة التحالف المعلنة.
وتشهد عدن قرارا غير معلن يقضي بحظر نشاط جميع الأحزاب السياسية، وكذا نشاط منظمات المجتمع المدني غير المتوافقة مع “الانتقالي”. ومؤخرا ارتفعت وتيرة الاستهداف للحريات الصحفية وضرب ما تبقى من أطلال وسائل إعلام ذات الصوت غير المؤيد للانتقالي، بما فيها إذاعة “بندر عدن” الاجتماعية الأهلية التي لم ينقض من عمرها غير شهر واحد، وكل ذلك يتلقاه الطرف المتضرر بسلبية كبيرة، تبعا لتفسيره بأنه شكل من أشكال ارتفاع الصوت الانفصالي المتطرف، ويتقبلها الرأي العام المؤيد للانتقالي باعتبارها من الخطوات اللازمة لفرض الانفصال كما يُسَوَّق له الأمر رغم أنها لا صلة لها عمليا بمطالب الفدرالية والانفصال.
هذا الاستعداد الداخلي والخارجي لدى الرأي العام الشعبي والرسمي لتفسير كل شيء بأنه متعلق بالفدرالية والانفصال، يوافق هوى الانتقالي ليخفي دوافع سلوكه، ويوافق بذات القدر هوى الإمارات التي تمسك بملف الجنوب ويوافق مصلحتها، إذ لا تريد أن تتحمل تبعات أي شيء مما يحدث، وتعمل على الإلقاء بمسؤوليته وتبعاته على أطراف الخلاف بشأن “الفدرالية والانفصال”. وعندما لا تستطيع أن تنأى بنفسها عن تهمة العلاقة بهذا الحدث أو ذاك، تلجأ إلى استخدام الموالين لها لإنتاج خطاب يشرك معها السعودية في المسؤولية، لتحتمي بها، وتثير لدى الرأي العام المؤيد للشرعية الشكوك تجاه السعودية، ولهذا يركز نشطاء “الانتقالي” على ذكر الإمارات منفردة عندما يكون الخطاب في معرض المدح والثناء، فيما يتجه عندما يكون الخطاب للذم والانتقاص بتوجيه الخطاب نحو التحالف عموما بقيادة المملكة مع استبعاد اسم الإمارات، ولا يقتصر هذا على الناشطين والصحفيين المقربين، بل وقيادات عليا في المجلس الانتقالي، كما ورد على لسان عضو رئاسة المجلس “أحمد بن بريك” في حواره للصحيفة التابعة له “أخبار حضرموت” عقب أحداث يناير الفائت، ومقال ناصر الخبجي المنشور بصفحته قبل الأحداث، وآخرين.
خلال عامين شهدت عدن أعلى نسبة اغتيالات طالت كثيرا من مختلف الفئات العسكرية والأمنية والمدنية، ومن بينها شريحة الخطباء وأئمة المساجد، وكانت قيادات “الانتقالي” في معظم هذه الفترة تسمك بالسلطة بصفة شرعية كمحافظين لعدن وحضرموت ولحج ومختلف المناصب الأخرى بالمحافظات، وفي مقدمتها إدارات الأمن بهذه المحافظات، وما يزال معظمهم يحتفظون بمناصبهم حتى اليوم باستثناء المحافظين، ولم يكونوا قد أعلنوا عن تأسيس الانتقالي الذي شكلوه عقب فقدانهم هذه المناصب، وحين أرادت قناة “رشد” التابعة لحزب الرشاد السلفي أن تنظم حملة إعلامية تضامنية مع ضحايا الاغتيالات من الخطباء الذين كان معظمهم ينتمي لذات التيار السلفي تفاجأت وحزب الرشاد بحملة مضادة من وسائل إعلام الانتقالي “قبل تأسيسه بهذا الاسم رسميا”، وتعرض حزب الرشاد لضغوطات كبيرة اضطر معها أمينه العام للخروج ببيان يؤكد فيه عدم صلته بالقناة، وتوقفت الحملة التضامنية.
ورغم أن ما فعلته قناة “رشد” كان يمثل توجها داعما لإدارة أمن عدن التي يديرها الانتقالي، إلا أن الانتقالي اعتبر تضامنها مع ضحايا الاغتيالات له و”القضية الجنوبية” كما قال في حملته، وتمكن بإسناد سياسي إماراتي من إسكات القناة بذات اللافتة، لافتة “الفدرالية والانفصال” أو “الجنوب والشمال”.
 
أساليب خداع الرأي العام الجنوبي بشأن طارق صالح
لا تحتاج شوارع عدن المسالمة إلى المطبات الاسفلتية أو الإسمنتية التي تنتشر في كل المدن الأخرى، ويكفي تمديد حبل سميك من أوتاد السفن بين الرصيفين، ليصمد سنوات حتى يسطح بالأرض.. كل شيء يجري في هذه المدينة بمنتهى السلاسة تحت لافتة “الفدرالية والانفصال”، ويبدو أشبه بعملية احتيال واسعة، واستغفال للجميع، وترهيب يقوم به شخص خرج متنكرا في الظلام في صورة شبح ليجبر الجميع على إغماض عيونهم والتظاهر أنهم لا يرونه، معتقدين أنه سيبطش بأي طرف شعر أنه رآه.
ووحدها قضية تدفّق قوات “طارق صالح” إلى عدن تخرق هذه القاعدة، إذ لا تجري عملية استيعاب هذه القوات بسلاسة، لأنها مناقضة بشكل تام لخطاب الانتقالي المتبني للعداء لـ”صالح” زعيم حرب 94م حسب الخطاب لهذا التيار، والمطالِب بالانفصال، والمطالَب -في ذات الوقت- باستضافة هذه القوات.
ظل خطاب الانتقالي يراوغ بشأن وجود طارق صالح في عدن، ويغطي على ذلك بقوله إن الذي وصل إلى عدن هم عائلة صالح من الأطفال والنساء، وأنه يجب استقبالهم وتأمينهم، عملا بالقيم التي “تربّى” عليها المنخرطون في المجلس -بحسب نائب رئيس المجلس، الوزير المقال “هاني بن بريك”.
بعد استخدام النساء في التغطية على وجود طارق، واستخدام الأطفال في استثارة النخوة والشهامة لدى مكونات الرأي العام الجنوبي، ظهر طارق صالح لأول مرة في شبوة وهو يقدم العزاء في “عارف الزوكا”، وكان هذا بمثابة القسط الثاني من أقساط الظهور التدريجي في الجنوب. وإذا كان القسط الأول قد تغطى بملابس النساء والأطفال، فإن هذا القسط الثاني قد توارى خلف مهمة إنسانية خالصة، تتمثل بتقديم العزاء للقيادي المؤتمري الجنوبي “عارف الزوكا”، فوق أن هذا الظهور كان في شبوة البعيدة عن عدن، وشبوة التي كانت بعض مناطقها ما تزال تحت وطأة السيطرة الحوثيين، وكل هذا من التدرج بعناية فائقة لتمرير خطوة استضافة طارق صالح وقواته في عدن والجنوب، وأساليب مدروسة لخداع الرأي العام الجنوبي الذي لا يبدو أن مكوناته متفقة على شيء سوى رفض قوات “صالح”.
استغلت الإمارات الحرب الأخيرة أواخر يناير الفائت، موهمة عيدروس بأنها ستدعمه حتى إسقاط الحكومة وبسط سيطرته على عدن، وفرض مجلسه كأمر واقع، وكان عليه بالمقابل أن يقدم أشياء كثيرة، منها أن يعلن بقوة وصراحة لكل مؤيدي مجلسه الانتقالي بأن المجلس سيدعم طارق صالح، ولم يتردد عيدروس في دفع هذا الثمن مقدما، فخرج أثناء الحرب معلنا دعمه الصريح لطارق صالح على شاشة “فرانس 24″، مؤملا في أن يكون نجاحه الموعود بالانقلاب على الحكومة نصرا يتجاوز به سخط مؤيديه وأهالي القتلى والجرحى واحتقانهم من موقفه الداعم لـ”طارق صالح”، ثم لم تنقض أيام قليلة حتى اتضح له أنه دفع ثمنا باهضا لسمك في بحر، أو طير في الهواء!!
ظل الاحتقان يرتفع في صفوف مؤيديه جراء هذا الموقف من “طارق صالح”، وكما راعاه القائد الإماراتي في إدخال طارق بالتقسيط، فقد لجأ هذه المرة إلى تنفيس الاحتقان في صفوف مؤيديه عبر إبعاد طاقم قناة “اليمن اليوم” من عدن إلى القاهرة، وتفكيك استوديو القناة الذي كان قد تم تركيبه في أحد فنادق عدن، وعبر إجراء آخر تمثل في إظهار طارق والصحفي “نبيل الصوفي” باللباس الميري في إحدى مناطق الساحل الغربي التابع لمحافظة الحديدة، وحظيت صورهم في هذه الزيارة باللباس العسكري اهتماما إعلاميا كبيرا من قبل أدوات الإمارات الإعلامية، وهو الأداء الذي حرص على إيصال رسالة إلى أولئك المحتقنين مفادها: لن نطيل البقاء عندكم، وها نحن على وشك الانتقال إلى الساحل الغربي، فاصبروا علينا قليلا..!!
رسائل تخديرية لا أكثر، فضلا عن أنه حتى لو تم إخراج طارق صالح إلى الساحل الغربي فإن المشكلة ليست فقط في وجوده وقواته بالجنوب، بل في تحالف الانتقالي معهم من حيث المبدأ، وهو ما يشبهه البعض بسلوك الخائنة التي تدخل رجلا إلى بيتها لكنها ترفض أن تدخله غرفة النوم، مبررة ذلك بالوفاء لزوجها واحترام سريره المقدس..!!
 
 
ماذا يصنع عمار صالح في عدن؟
رغم ذلك، تتركز الأنظار على طارق صالح وقواته العسكرية، فيما يقوم شقيقه “عمار” بنشاط سري خلف الكواليس وبعيدا عن الإعلام والأضواء، معتكفا على استعادة ما انفلت من يده خلال السنوات الأخيرة من جهاز استخبارات “الأمن القومي”..
خلال السنتين الماضيتين، تمكن الانتقالي ممثلا بـ”عيدروس الزبيدي” أثناء عمله محافظا، و”شلال شايع” -مدير الأمن، و”يسران المقطري” -قائد مكافحة الإرهاب.. تمكن بدعم إماراتي من سحب كل شيء من يد المقاومة التي كانت تسيطر على عدن، ويبدو أنه حان الوقت الآن لأن يقوم “عمار صالح” بدوره في سحب الصلاحيات والملفات الحساسة من أيدي شلال ويسران، خاصة بعد فشلهم في حفظ الأمن وملف الإرهاب، وظل كل همهم خلال الفترة الماضية التنازع الخفي على النفوذ، وخوض الحرب البادرة على الصلاحيات وحيازة الملفات المدعومة من الخارج.
يمتلك “عمار” خبرة في العمل الاستخباراتي، وهو صاحب الوكالة الأصلية للعمل على هذه الملفات منذ تعيينه وكيلا لجهاز الأمن القومي قبل سنوات طويلة، ولديه على وجه الخصوص خبرة في أساليب سحب البساط من تحت الآخرين اكتسبها خلال تلك الفترة، وسبق أن أثبت نجاحا كبيرا في سحب صلاحيات جهاز “الأمن السياسي” الذي كان اسمه يثير الرعب في كل اليمن، ثم أصبح مطاردا من الذين كان يطاردهم بالأمس!!
أحداث عدن الأمنية وعودة الإرهاب إلى عدن، وتحديدا تفجيرات مدينة “التواهي” الأسبوع الفائت، تمثل واحدة من بوابات  “عمار” التي ينفذ منها إلى هذه الملفات.
حُسبت تلك الحادثة على قائد مكافحة الإرهاب “يسران المقطري” ومدير أمن عدن “شلال شايع”، إذ لم يتمكنوا من كشف العملية مسبقا، ولا إحباطها قبيل وقوعها، وأن السيارات المفخخة تخطت كل نقاطهم الأمنية في عدن، وتخطت كل النقاط في قلب منطقة “التواهي” حيث مقراتهما، وحيث معقل سيطرتهم ومجلسهم الانتقالي.
والأهم على الإطلاق: أن “يسران المقطري” وقع في الفخ حين اقتنع بالظهور بذلك الاتصال مع الزعيم الداعشي وبتلك الصورة الهزيلة والتي أثارت السخرية والضجة على وسائل الإعلام.. لقد أوهموه بأن ذلك الظهور سيكون بمثابة خطوة إضافية إلى الأمام تساعده على تسويق نفسه لدى الخارج وتمكنه من الدخول إلى منطقة أعمق في عمله بمكافحة الإرهاب، فيما الواضح أن الأمر كان بابا للخروج لا بابا للدخول!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى