كتابات خاصة

هكذا كان صالح

محمد العليمي

إلى آخر يوم في حياة صالح كنت أراه شخصا مجرما وقاتلا وجبانا ومصدر الكثير من الشرور في اليمن والمنطقة، وبالطريقة التي قُتل بها لم يتغير شيء في اعتقادي، فقد بقي صاحب تلك الجثة الملقاة حاليا في ثلاجة المستشفى مجرما وقاتلا.

حسنا لتترحموا على صالح كما تشاؤون..
المسألة لا تتعلق بكونك تدعو لصالح بالمغفرة أم باللعنة والخلود في الجحيم، فرحماتنا أو لعنانتنا لا أعتقد أنه سيكون لها دور كبير في طريقة إدارة العالم الميتافيزيقي، فهو يخضع لقوانين من الصعب الحديث عنها بعيدة من العواطف ومن تفكيرنا الضيق ومن حالاتنا الانفعالية..
إلى آخر يوم في حياة صالح كنت أراه شخصا مجرما وقاتلا وجبانا ومصدر الكثير من الشرور في اليمن والمنطقة، وبالطريقة التي قُتل بها لم يتغير شيء في اعتقادي، فقد بقي صاحب تلك الجثة الملقاة حاليا في ثلاجة المستشفى مجرما وقاتلا.
بالنسبة لي كنت أتوقع له نهاية كهذه، فصالح على المستوى الشخصي لم يكن شجاعا كالقذافي وصدام مثلا، ولا يهمني أن صالح قتل في منزله أم هاربا، ولكن ما أعرفه عن صالح هو أنه لو كان وجد منفذا للنجاة والهرب والتخلص من كابوس الموت مثل ثقب الإبرة لكان قد سلكه، إلا أن الهرب كان لصالح آنذاك أصعب من ولوج الجمل في سم الخياط حسب التعبير القرآني..
كان صالح يريد النجاة، فلديه الكثير من الأحقاد والثأرات التي يريد تصفيتها، ولديه الكثير من الأعداء الذين يريد الانتقام منهم.
كان كأي زعيم لا تنتهي عنده متواليات الأصدقاء والأعداء ولا تنتهي حروبه حتى يبدأ في حروب أخرى.
هناك من يسامح صالح وهناك من لا يريد أن يسامحه، لا يهم هذا الاختلاف، ما يهم هو أن المتسامح أو غير المتسامح لن يغير في مجرى الأحداث التاريخية شيئا.. التاريخ ليس ملكا لشخص بعينه حتى لو كان هذا الشخص هو الضحية، التاريخ حق جمعي، حق لجيلنا وللأجيال الأخرى، ومن حقهم أن يعرفوا الحقيقة كما هي دون رتوش أو تغييرات أو تشوهات..
من حقهم أن لا تكذبوا عليهم تحت مبرر العواطف، ومن حق الشعب الذي ذاق المر في أربعة عقود أن لا يأبه كثيرا لظهور صالح المبتذل قبل ثلاثة أيام من مقتله وهو يدعو للانتفاضة ضد الحوثيين واسترداد الجمهورية، فالجمهورية ليست منزلا في شارع مجاهد على الشعب أن يحميه.
لو أن أهالي أسر شهداء جمعة الكرامة اجتمعوا وسامحوا صالح فإن تسامحهم لن يغير في مجرى كتابة التاريخ شيئا حتى لو أرادوا ذلك، فهم لا يملكون هذا الحق، لأن الجميع من حقهم أن يعرفوا من القاتل حتى لو سامحه أهالي الضحايا.
في العدالة الانتقالية والتي تعد أفضل مبادئ التسامح المجتمعي، وأفضل صيغة توصلت إليها البشرية لردم آلام الماضي وبناء مستقبل مزدهر فإن هذا التسامح لا يلغي حق توثيق أفعال المجرم لأن الضحية أو أسرته لا تملك حق نسيان الذاكرة فهناك بند ضمن أسس العدالة الانتقالية اسمه: الكشف عن الحقيقة وحفظ الذاكرة.
ترحموا على صالح كما تشاؤون وادعو له بالمغفرة أو باللعنة، ولكن إياكم أن تكذبوا على التاريخ وعلى الأجيال القادمة فصالح لم يكن صالحا لشعبه ولا لوطنه.
تقبلوا الحقيقة بدلا من أن تغيروها حتى لو كانت موجعة بعض الشيء..
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى