كتابات خاصة

القبيلة إلى أين؟!

فتحي أبو النصر

القبيلة أذكى مما يتصورها الحوثي.. تدير صراعها ومصالحها معه بوعي تاريخاني يدرك أن القبيلة هي أكثر مكونات المجتمع التي عانت من التمسيد. القبيلة أذكى مما يتصورها الحوثي.. تدير صراعها ومصالحها معه بوعي تاريخاني يدرك أن القبيلة هي أكثر مكونات المجتمع التي عانت من التمسيد.
المقتنعون بالتمسيد قد انضموا للجبهات في بدايتها وقرحوا جو.. وهؤلاء لا يمثلون نسبة 10 في المئة من القادرين على حمل السلاح هناك.. بمعنى آخر صار معظم أبناء القبيلة بعد التحولات التي أحدثها سبتمبر 62 مع قيم المواطنة والجمهورية.. فاقم ذلك التفرد الحوثي المستند على صيغة التمييز للهاشمية السياسية.. لكن خطأ الجمهورية الرئيس هو عدم تحرير أبناء القبيلة من سطوة الشيخ والسيد بفرض سطوة الدولة وهذا الخطأ يتضمن أيضاً عدم إيجاد فرص إنتاج اقتصادية بديلة هناك.
أصدقائي الجمهوريون في الشمال مثلاً لا يتوافقون مع صيغ الميليشيا الحوثية على الإطلاق، بل ويعتبرون إضعاف مراكز القوى بالقدر الكافي هو المطلوب لبناء دولة المواطنة على أنقاضها.. وبإعتبار هؤلاء كعينة للوعي الحديث الذي تغلغل في القبيلة فإنه يصعب عليهم مباركة التمييز السلالي الذي تريد استعادة تكريسه طبقة ما يسمى بـ”السادة” عبر المد والتمدد الحوثي.
ولقد صعد الحوثي مستفيداً من اتساع الشرخ الحاشدي البكيلي.. والصحيح أن القبيلتين على رأس حلفاء السادة تاريخيا.. غير أن قلة من القبيلتين الأكبر هم اليوم من يستسيغون حصر الولاية في البطنين.. بينما الغالبية يفضلون بمنتهى البراغماتية الانحناء للعاصفة وعدم مقاتلة من يؤمنون بالعنصرية من الهاشميين كي لا تتولد ثارات يصعب إيقافها.
وبحسب رؤيتهم هذه، فإنهم كانوا يشعرون بالارتياح مثلاً لدحر الميليشيا من مأرب والجنوب، الأمر الذي يتكرر في تعز أيضاً.
بينما من هذا التناقض الموضوعي سينفجر الصراع بين الضفتين اللتين لا تثقان ببعضهما حتماً.
ثم إنه مع اتساع وعي الحزبية والسياسة منذ بعد الوحدة كان له الأثر المباشر في تخلخل الرابط القبلي.
وبالمقابل، صارت القبيلة أكثر إدراكاً بأن وقوفها في وجه تمدد الدولة وقيمها هو ما جعل الميليشيا الحوثية تبرز وتجتاح مناطقهم وتضع الدولة الهشة تحت إبطها.
كان الانشقاق الأول في الوعي المتشبث بالإمامة قد حدث بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 ثم حدث الانشقاق الثاني بعد قيام الوحدة في 22 مايو 1990.
بعدها كانت حروب صعدة أداة لبعث المسألة السلالية التي كانت كالجمر تحت الرماد في مناطق التعصب للمذهب الزيدي وحكاية الولاية للبطنين رغم إنها مناطق قد تغلغلت فيها السنية.
ولذلك جراء انحسار دور الدولة حدثت صدامات الكل ضد الكل.. ومع تغير التوازنات والتحالفات صار الذين مسهم الضر أكثر هم من يحلمون بالدولة القادرة على تحقيق الدمج للمجتمع من خلال المواطنة المتساوية وسيادة القانون.
وهؤلاء وهم الغالبية يرون أن تعصب الزيدية في حكاية الولاية للبطنين يفقدهم قيم الجمهورية في المساواة وهو الأمر الذي يقلقهم لأن الهاشمية السياسية تمارس التمييز حتى على أتباع المذهب من غير السلالة فيما تقدس السلالة نفسها عبر المذهب ولا ترى في غيرها سوى رعايا وأتباع أو مجرد متاع للتضحية لصالحها فقط ولايستحق المواطنة المتساوية.
كذلك في خضم هذه الكماشة وجدت القبيلة نفسها بين طرفين احلاهما مر فهي تميل إلى عفاش أكثر من الحوثي ولكن إذا استمرت صيغ إستغلالها لمصلحة أشخاص فضلا عن إستمرار تدهور التحالف بين الحوثي وعفاش فإنه لا مناص لها من الإنحياز التام للكتلة الوطنية الأكبر على شرط المحافظة على ما تبقى من مصالحها ما لم فالخروج من نهاية الصراع ولو بأقل الخسائر فقط.
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى