كتابات خاصة

أنت لا تشبهك!

حسن عبدالوارث

لا تندهش، كما أندهش تشارلي تشابلن يومها.. فالحق أن بعض الناس لا يشبهون أنفسهم فعلاً.. مثلما أفعال أو أقوال بعض الناس لا تشبه أصحابها البتة.

ذات يومٍ بعيد، أُقيمت مسابقة في “هوليوود” لاختيار أكثر الناس شبهاً بأشهر شخصية كوميدية في تاريخ السينما: تشارلي تشابلن.
وقد تنادى وتجمهر المئات ممن يزعمون أن لديهم شبهاً بتشابلن، ثم قامت لجنة بفرزهم حتى أستقرت على بضعة عشرات رأت أنهم يشبهون كثيراً هذه الشخصية، وقدَّمتهم لخوض المسابقة أمام لجنة أخرى.
لم يكن أحدٌ يدري أن تشارلي تشابلن -الحقيقي- كان أحد المتسابقين باِسمٍ مستعار.. وقد كاد يسقط مغشيّاً عليه -من هول المفاجأة- حين أُعلنت النتيجة.. ووجد نفسه يحلّ في المرتبة الثالثة!
لا تندهش، كما أندهش تشارلي تشابلن يومها.. فالحق أن بعض الناس لا يشبهون أنفسهم فعلاً.. مثلما أفعال أو أقوال بعض الناس لا تشبه أصحابها البتة.
والمسألة -التي أقصدها- لا تتصل بالشيزوفرينيا مطلقاً، فذلك موضوع آخر تماماً. ولا علاقة لها بالديماغوجيا التي يجيد البعض تعاطيها، بل ويتفنّن في ذلك ويبدع أيّما ابداع.
يكفي فقط أن تعرف هذه الحقيقة وتؤمن بصحتها: أنت لا تشبه نفسك!
وإذا كان لديك وقت فراغٍ كافٍ، يمكنك التفكير: لماذا لا تشبه نفسك؟. وإذا كان لديك وقت فراغ أكثر، يمكنك التوصُّل إلى إجابة عن السؤال.


ذات مرة، مات شيخ وقور ذو سمعة طيبة تفوح في أرجاء قريته وبين معارفه بعبير التقوى وأريج الوَرَع. وقد كانت صفاته المشهورة بين الناس مرادفة لكل معاني الخير والحق والاستقامة.
غير أن أصابع القدر نبشت دفاتر المستور ونكشت صُرَّة الأسرار، فاذا بحقيقة الرجل تصدم الرجال والجبال على السواء.. فقد أتّضح أنه من كبار تجار المخدرات والخمور والسلاح، وأن يديه ملطختان بالدم من كل فصيلة، وأن قدميه مخضّبتان بالوحل في كل رذيلة!
وهذه ليست القصة السينمائية المكرورة، بل واقعة حدثت بالفعل، وأعرف شخوصها ووقائعها.
وبين ظهرانينا جماعة -بل قُلْ جماعات- من أهل السياسة والقانون، ومن أرباب الأقلام والكلام، ومن المنتسبين إلى مؤسسات ودوائر تتّصف -لفظاً- بالحضارة والمدنية والحداثة والتقدم أو غيرها من الصفات التي تفوق الذهب لمعاناً والألماس بريقاً.. فاذا ما تدّخلت الأقدار لتكشف الأسرار وتُعلن الأخبار وتفرز الأخيار من الأشرار، أتّضح أن من كنت تحسبه موسى ما هو الاَّ فرعون في مُسوح القداسة!
وحين يتشابه البقر عليك، لن تعود قادراً على التمييز بين الملاك والشيطان في لبوسٍ واحد.


سافرتُ كثيراً بصحبة آخرين من زمرة الزملاء وشلّة الأصدقاء. وفي السفر تكون العِشْرة أكثر مدعاةً إلى الحميمية في المأكل والمشرب والمنام والمقام والحركة والسكون. أي أنك تكون على صلة لصيقة وعلاقة وثيقة بصاحبك كما لم تكن يوماً من قبل.
وقد قيل في المأثور النفيس ما معناه أنك لن تعرف صاحبك حتى يُكتب لكما السفر معاً. وهو قول صحيح، واِنْ لم يكن من صحيح البخاري ومسلم.
في تلك الأسفار، عرفتُ -عن كثب- ما لم أعرفه عن فلان أو في فلان. وكم كانت دهشتي عظيمة وصدمتي فادحة حين أكتشفتُ حقائق بعض الناس بعد أن ظلت مخفيَّةً خلف مساحيق التجميل الأخلاقي.. فالمساحيق تُمَكْيِج زيف الجلود، لكنها عاجزة عن مَكْيَجة زيف القلوب!


ليس تشارلي تشابلن وحده الذي لا يشبه نفسه..
نحن أيضاً لا نشبه أنفسنا أبداً!
*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى