كتابات خاصة

نساء الحرب ( 2 – 2 )

حسن عبدالوارث

مثلما أنتقل العنف من الجبهات الى الأسواق، فانه أنتقل أيضاً الى البيوت.
فقد أنتجت الحرب وتداعياتها أو تبعاتها – خلال العامين المنصرمين – حالات فقر مدقع وفاقة شديدة بلغت حدَّ المجاعة بصورة لم يشهدها المجتمع اليمني من قبل. مثلما أنتقل العنف من الجبهات الى الأسواق، فانه أنتقل أيضاً الى البيوت.
فقد أنتجت الحرب وتداعياتها أو تبعاتها – خلال العامين المنصرمين – حالات فقر مدقع وفاقة شديدة بلغت حدَّ المجاعة بصورة لم يشهدها المجتمع اليمني من قبل.
وبسبب هذه الجائحة الاجتماعية والاقتصادية الشرسة، والتي أصابت قطاعاً واسعاً جداً من العائلات وضربت ما تبقَّى من أطلال الطبقة الوسطى حتى مسحتها تماماً، صار من المألوف اليومي أن تعلو أصوات المشاجرات في عديد من البيوت، والتي عادةً ما تلحقها حالات عنف أُسَري، تكون النساء ضحيتها في جُل – انْ لم يكن كل – الأحوال .
واذا دفعَ الجوع بالنساء الى الخروج من بين جدران منازلهن الى الشارع للسؤال الذليل بُغية الحصول على لقيمات لا تكاد تسد الرمق، وجدنَ عنفاً لا يقل وحشية عن عنف الجوع. فالتحرُّش الذي تتعرّض له هؤلاء النسوة، وحتى الفتيات الصغيرات، يزيد من بشاعة المشهد ويُضاعف وتيرة القهر الاجتماعي ومنسوب الذل المتراكم الذي تتعرض له المرأة في زمن ويمن الحرب .
واذا بلغ هذا البروفايل الطاعن في مأساويته أقصى حدود الخيال الأسود، وجدنا أمامنا ” المرأة الحديدية ” التي أطلقت عليها الصحافة هذا الوصف. وهي امرأة أربعينية من محافظة اِب، أضطرت الى امتشاق البندقية لتصرع قيادياً حوثياً وعدداً من أتباعه ، انتقاماً لزوجها الذي قتله الحوثيون ، ودفاعاً عن مأواها مع أطفالها بعد أن هددوها بنسفه كعادتهم مع الأهالي الذين يناهضونهم أو لا يُظهرون لهم أية مشاعر ترحيب أو مواقف تأييد في عديد من المناطق التي غزوها !
… 

 …
نسمة الكميم.. أو ” ملكة جمال الحرب ” كما أطلقت عليها الصحافة أيضاً.
وهي امرأة شابة وجميلة ومثقفة من نساء صنعاء. غدت – اثر الانقلاب والحرب – أفضل من يُجيد التعبير عن معاناة المرأة في زمن ويمن الحرب.
 وقد أحتشدت صفحتها في وسيلة التواصل الاجتماعي ” فيسبوك ” بالعديد من المنشورات والصور التي شكَّلت بانوراما لمعاناة المرأة اليمنية في ظل القصف المتواصل والفقر المتزايد وانقطاع امدادات الماء والكهرباء والوقود وغاز الطبخ ، ولجوء النسوة الى استعادة ذكريات أزمان جدَّاتهن بالطبخ على نار الحطب أو جلب الماء من أماكن بعيدة عن منازلهن واستخدام لوح الطاقة الشمسية الذي تمنطقت به في احدى صورها الشهيرة المنشورة على صفحتها التي صارت أرشيفاً وثائقياً ونقدياً ساخراً لواقع حال المرأة اليمنية في خضم معاناتها اليومية جراء الحرب الغاشمة .

 …
 …
أشار تقرير نشرته صحيفة ” واشنطن بوست ” الأمريكية الشهيرة الى معاناة المرأة اليمنية خلال العامين المنصرمين اللذين كانا أكثر السنين عجافاً في حياة اليمنيين اجمالاً والنساء بوجه خاص .
ووصف التقرير قيام النساء منذ الفجر بالصعود الى الجبال لجمع الحطب بغرض الطبخ به أوتحويله الى فحم، اما لبيعه أو لاستخدامه.. مُنوّهاً بأن احداهن قالت: ” أشعر بأن الحرب غيَّرت شخصيتي، وأنني صرتُ مساوية للرجل الآن”.
وتظل معاناة المرأة هي الأكثر قسوة والأشد وطأة في هذا الزمان وهذا اليمان.
هل لأن الحرب مؤنثة؟!

*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى