كتابات خاصة

تيه العرب في صراعهم مع إيران

فتحي أبو النصر

الطائفيون وأزلام الاصوليات السنية والشيعية مثلا، لا يريدون أن يفهموا بأن البغدادي وقاسم سليماني، لايمثلون المشروع الوطني العراقي المنشود.
الطائفيون وأزلام الاصوليات السنية والشيعية مثلا، لا يريدون أن يفهموا بأن البغدادي وقاسم سليماني، لايمثلون المشروع الوطني العراقي المنشود.
لذلك ستخسر التوجهات السعودية والإيرانية في المنطقة، لأنهما تقفان ضد التطلعات الديمقراطية النهضوية، وتعتقدان أنهما بدعم التطلعات الطائفية ستنتصران ضد بعضهما.. والحال أن تلك التطلعات كما تؤكد حقائق الواقع تخرب المجتمعات العربية فقط، ما يعني أن إيران والسعودية لا تستوعبان دينامية الصراع التي هي أبعد من حدود نزوعاتهما السنية والشيعية، كما أن شعوب المنطقة تحتاج إلى اصلاحات سياسية واقتصادية وفكرية واجتماعية أكثر من أي شيء آخر.. غير أن إيران تدعم اقلياتها الشيعية المتصلبة للصدام مع الوهابية، وفي نفس الوقت تعمل لتغذية الصراع بين السنة والوهابية أيضاً، بمقابل ذلك تدعم السعودية تطرف أذرعها الوهابية ضد الشيعة كما ضد بقية السنة من غير الوهابية.. يقودنا ذلك بالطبع إلى انه بدون الوهابية ستنتهي الخمينية، وبدون الخمينية لا تستطيع الوهابية الإستمرار أكثر.. كلاهما تريدان صبغ المجتمعات العربية بايديولوجيتهما اللتان لا تقبلان التنوع والتعايش تحت مظلة المواطنة والديمقراطية.
فالخمينية المتذرعة بمرجعية أهل البيت تريد أن نعيش في انتظار زمن الخارج من السرداب، فيما الوهابية المتذرعة بمرجعية السلف تريد أن نعيش بعقلية انتظار زمن يثرب.. هكذا ببساطة شديدة تبدوان قاصرتان عن فهم حاجات الشعوب في المنطقة التي تشهد استلاباً مرعباً من قبلهما. لكن على مدى التاريخ كانت الأنظمة التي لا تفهم حاجات الشعوب هي من تتلاشى،  وأما الشعوب التي عانت من عنجهية تلك الأنظمة المتحجرة فقد استمرت مع التحولات، ساخرة من أنظمة لم تفهم المستقبل، ولم تبدع في شيء سوى مخادعة الشعوب واستجرار الماضي الطائفي البائد وصراعاته.
تعتقد الخمينية عموما أن التمييز بين الناس هبة إلهية، وتعتقد الوهابية أن الإضطهاد على أساس مذهبي فرض واجب.
غير أن هذا التشدد اللاديمقراطي يقوم على التكفير والترهيب، وفضلا عن أنه يكرس الاصطفاف ضد فكرة الدولة الوطنية، فإنه يعزز التجهيل والإفساد والافقار والاستغلال في المجتمع .
والثابت أن هذا الكهنوت يجعل المجتمعات والدول رهينة للجماعات المستخدمة للعنف بإسم الدين.
يحدث ذلك للأسف في ظل تآكل الدولة الوطنية الجامعة، وغياب مفهوم حداثي للمواطنة، فتكون النتيجة تقسيم المجتمعات العربية إلى فسطاطين، خير وشر ونحن وهم. وبدلاً من أن يكون الصراع حول تقوية مفهوم الدولة التي تحتكر السلاح وتستوعب الجميع في إطار التنوع والحقوق والواجبات المتساوية أمام القانون العادل، يتم حرف الصراع لملشنة المجتمعات وتطييف الدول.
بمعنى آخر، لا يمكن أن أكون مع داعش لأني أمقت ولا أطيق تدخلات إيران.. بل إن الموصل يجب أن تتحرر من الإرهاب، ثم يجب أن يقول الشعب العراقي كلمته ضد القبضة الإيرانية الترهيبية أيضاً .
وعربيا: فلنقل إنها الكماشة للأسف في ظل حصر الخيارات، وفشل المشاريع الوطنية وعدم انبثاق خطابات وطنية في معظم دول الصراع جراء حصر الخيارات بالارهابين السني والشيعي.
ولكن هذه الثنائية ليست حلم الشعوب العربية على الإطلاق.
كذلك فإن الفارق بين العرب وإيران في هذا الصراع، هو أن العرب ينظرون بعين واحدة فقط، بينما إيران تنظر بثلاثة عيون للأسف.
وبالتأكيد، ليس منطقياً استمرار العرب في التيه، خصوصا مع توغل إيران في أعماقهم، وفرد عضلاتها، وتدافع التنظيمات الشيعية والسنية المسلحة، جراء الإستسلام العربي لأعباء وتبعات الإرهاب والتطييف ذات المخاطر العالية.. فإذ تتصرف إيران ككتلة متماسكة مع جيوبها في الدول العربية، تتعامل هذه الدول بشكل منفرد ومزاجي مع بعضها، فلا تدير إمكانياتها بشكل فاعل، كما لا تصحح مساراتها الخاطئة التي أفضت إلى تكريس النزاعات الداخلية، بخلاف إيران التي تعرف أولوياتها وتمتلك إرادتها جيدا، حتى صارت كما نرى بوضوح الآن -داخل المجال العربي- على إستعداد تام للمساهمة في تفكيك المفكك وتخريب المخرب فقط، وذلك من خلال توسيع نفوذها القومي والمذهبي على حساب تيه العالم العربي الذي لا يستجيب للتغيير، والذي يرفض التحديث والتكامل لفرض مصلحة مواطنيه وإخراجهم من جو الإستبداد والتخلف، في حين لا يستوعب أهمية تفعيل استراتيجية مصالحه الراسخة في التاريخ والجغرافيا والهوية والوجدان المشترك، وبالتالي يتقاعس عن تخطي التحديات الأمنية والإقتصادية والاجتماعية والجيوسياسية، موغلاً في زيادة التشرذم للأسف، كما في مفاقمة الانتقامات العربية المتبادلة، والإصرار على اللامبالاة بالمخاطر، وكذا التمادي في مناهضة التصالحات والتحولات، وعدم إدراك الأولويات، بالرغم من وطأة مختلف الضغوط والعواقب الكارثية لكل هذا التيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى