آراء ومواقف

إدارة الصراع ولا أراك فيما تروي

جمال أنعم

الصراعات في عوالمنا حالة إدمان، هناك من لا يستطيعون العيش بسلام، ولا يجدون أنفسهم خارج الصراعات والحروب، لهم في كل درب عدو، وفي كل يوم معركة، يستجيبون لكل نزال. – صراع القيمة
الصراعات في عوالمنا حالة إدمان، هناك من لا يستطيعون العيش بسلام، ولا يجدون أنفسهم خارج الصراعات والحروب، لهم في كل درب عدو، وفي كل يوم معركة، يستجيبون لكل نزال.
تحتاج لأن تصارع صراعك في كثير من الأحيان، قد نصير صرعى صراعاتنا اللاواعية الرثة وغير العادلة، وفي خضم الصراع قد ننسى لماذا نصارع؟ ومن نصارع؟ وكيف؟ وأين؟ ومتى؟ كل صراع لا يجيب عن هذه الأسئلة هو صراع مجانين.
وأسوأ الصراعات تلك التي تفقدك جوهرك، وتصير إدمانا مدمرا، تضيع معها الوجهة ويغيم الهدف، وينتفي المعنى، وتسقط القيمة.
أحيانا نترك للصراع مصائرنا وأقدارنا وندع للخصومة والعداوات والأعداء مهمة تعيين وتحديد المعركة ونسلم قيادنا للحروب الرعناء على طول الخط، وقد يأسرنا الصراع بشخوصه، وأدواته، وأساليبه، وشروطه، المكانية، والزمانية، وحساباته، وقد يأسرنا الخصوم لطول الصراع معهم، فيغدون هم شرط القوة والضعف، وشرط الحضور والغياب، نقوى ماداموا أقوياء، ونضعف ونسقط بسقوطهم وتهاويهم ونغيب ونغرب متى غربوا.
ثمة صراع أكبر مكسب أن لا تخوضه، وثمة معارك واجبة الترحيل والتأجيل، وثمة خصوم ينبغي عدم الاستجابة لمنازلتهم بالسهولة التي يأملونها، وثمة تحديات يتوجب مواجهتها الآن، وأخرى غدًا، ومنها ما تقتضي الترك، والإهمال، ومنها ما يمكن أن نواجهه نحن، ومنها ما يمكن تركه لسوانا، ومنها ما يمكن تركه للزمن، والواقع، ومنها ما يمكن معالجته بالرفق، واللين والفطنة.
مشكلتنا.. أننا نقوم غالبا بتجميع كل شيء دفعة واحدة، في حلبة واحدة، وربما كانت المرحلة تقتضي تفتيت القوى المضادة، وتطوير أساليب المواجهة، ووضع الإستراتيجيات المناسبة، وتحديد الأولويات والمهام، وتصنيف القضايا والعداوات، والخصوم، وبذل الطاقة بالقدر المطلوب للتخلص والتجاوز، والتركيز على فعل المقاومة، وعدم تبديد الجهد فيما هو ثانوي وهامشي وغير ذي بال.
إدارة الصراع فن، وعمل مهم وخطير، يبدأ من داخل العقل والروح، بعقلنة الصراع، وأنسنته، وإعادة تأطيره ضمن القيمة والمعنى، وتفكيكه، والتعامل معه بوعي، ومحاذرة، وبروح سامية، لا تصارع كي تصرع ذاتها، أو تخسر مبادئها وحين يكون الصراع وطنيًا فهو يستوجب الارتفاع بالقضايا إلى الأفق العام، وعدم الانغلاق داخل صيغ ضيقة، تهزم المشروع الجمعي، وتقزم الأدوار، وتكرس حالة من العصبوية، والانقسام الهوياتي، والانتماءات الجغرافية الضيقة، والانجرار مع الحس الشعبوي، المنفلت، بصورة تستعصي على الانضباط والتحكم.
٢ – لا أراك فيما تروي
يحتاج الخطاب الوعظي إلى اشتغال نقدي جاد، يعيد تقليبه، ومساءلته، والوقوف على تفاصيله، وقراءته بعمق شكلا ومضمونا، وتقصي تأثيراته، وإدراك الغاية منه، ومن الواضح أن خطاب الوعظ والإرشاد في عالمنا العربي والإسلامي عموما، مازال أسير الجمود والرتابة. يعتمد الاجترار، والتكرار، والأساليب التقليدية المتوارثة، في الموضوعات والأدعية، بل ويكاد لا يبارح اللغة العتيقة والقديمة ذاتها، من دون تجديد أو إضافة لافته، مع وجود استثناءات، قليلة هنا أو هناك.
جلست مع خطباء عديدين فهالني أن معظمهم حفظة حتى لخطبهم المعدة،
يمكن لأحدهم أن يعيد عليك خطبة له منذ عام وكأنه يلقي قصيدة شعر، أو واحدة من المتون، وجلهم حفاظ بارعون يحسنون استعراض قدراتهم على الحفظ وقليل ما يحسنون إضافة بصمة خاصة تضمن لهم نوعا من الفرادة والتميز وتمنح ما يقولون بعضا من الجدة والخصوصية.
 
منهم من لا يقول جملة خاصة، ولا يقف إلا على السطح، ولا يلتقط سوى الجاهز المعطى من فهوم السابقين واللاحقين، لا تراهم فيما يروون، ولا تسمعهم فيما يقولون.
هي مشكلة كبرى، ومسألة الدعاء بالهلكة على خلق الله هي بعض أدواء هذا الخطاب الضاج، والذي مازال يتمدد في أجواء التدين محصنا نفسه من النقد بقوة ارتباطه بالدين.
يحتاج الخطباء كذلك في اعتقادي التنبه إلى أدواء الخطابة، وأسوأها أن الخطيب غيري بالضرورة، خطابه دائمًا موجها للغير، للجمهور، للناس، للجموع المنصتة، للرؤوس الخفيضة أمامه، والتي تدرب جيدا على عدم رؤيتها، والتفكير بها، وهو يخطب كي يأمن العثار، والارتباك، وهو ما يعني أن تظل ذات الخطيب غير منظورة.
وهذا يجعل الخطباء عصيين على الاستماع لسواهم، متأبين على النقد، لا يرون غير الآخر المنقود، والمستهدف بالعظة، حيث هو موضوع الخطبة، والمخاطب وحده.
يقفز الخطباء أحيانا فوق مفاهيم عقدية، ويستبطنون بدعائهم الكاره والناقم فكرة غريبة عن الله، تعالى عن ذلك، مطالبا بإهلاكه خلقه تلبية لرغباتنا نحن الناكصين عن الحق والهدى والعاجزين عن البلاغ المبين.
وثمة مفارقات عديدة في هذا التصور، الذي تتفجر منه أدعية السحق، والمحق، على رؤوس العوالم.
نقلا عن الشرق القطرية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى