الدستور اليمني ينصف المرأة والقانون ومُشرعه ينتهك حقوقها (تقرير خاص)
يمن مونيتور/ وحدة التقارير/ من هبة التبعي
“منذُ ستة أشهر وأنا أحاول فسخ عقد قرآني في محكمة تعز ولكن بلا جدوى” بهذه العبارة تختصر سارة المليكي معاناتها، بعد أن تم عقد قرآنها مع ابن خالها قبل عام ونصف وبينما هي تستعد لحفل زفافهما، تزوج عاقدها بأخرى بدون عذر وتلقت سارة صدمة عاطفية قوية أدخلتها بعقدة نفسية.
تتحدث سارة لـ “يمن مونيتور” حول مأساة قصتها العاطفية بالقول: ” أعتقد أن زواجه بأخرى سبب كافي لفسخ عقد القرآن ولكن القاضي لم يقتنع متذرعًا بأن الشرع يحل له الزواج بأربع نساء”.
وتضيف “أنها تنازلت عن كافة الحقوق واختارت أفضل المحامين وخسرت الكثير من المال حيال هذه القضية حتى تم الفسخ بعد طرح أسباب أخرى كاذبة تقنع القانون، بينما الرجل إذا أراد أن يطلق زوجته لا يفترض عليه أن يقدم أي سبب.
المشرع اليمني
تفانى المشرع اليمني في عكس الطبيعة التقليدية الثقافية للمجتمع اليمني وحول العرف الذي ينظر للمرأة بنظرة تحقيريه للأسف إلى صيغة قوانين نافذة دون مراعاة لمهمة القوانين والتشريعات في تحقيق العدل بين الناس وتلبية حاجاتهم.
تُظهر القوانين اليمنية تناقضًا واضحًا بين التزامها بالمواثيق الدولية والعربية المتعلقة بحقوق الإنسان، حيث التزمت بميثاق “41” (المواطنون جميعهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة) وبين تشريعاتها التي تسهل انتهاك حقوق النساء في الأحوال الشخصية والجرائم والعقوبات.
الأحوال الشخصية
تنص المادة (20) في الأحوال الشخصية على أن “يصح أن يتولى عقد الزواج عن طرفيه شخص واحد ينطق بصيغة الإيجاب والقبول في مجلس العقد”.
المحامي والباحث عمرو السعد يرى الواقعة من منظور قانوني بالقول: “هنا تتجلى درجة الاحتقار للمرأة في القانون اليمني وـعمال الموروث التقليدي محل العقل التطوري المستقبلي في القوانين، المادة تؤكد سلب حق المرأة في التصرف الحر في مضمون عقد نكاحه -باعتبارها طرفاً أصيلاً فيه- واجبرها على تمثيلها بأحد “الذكور” وكيلاً عنها”؟
ويضيف عمرو في حديث لـ”يمن مونيتور”، أن “القوانين اليمينة مهدت لبعض الجرائم الخطيرة ضد المرأة كما فعلت المادة (15) من قانون الأحوال الشخصية والتي قضت بصحة عقد نكاح ولي الفتاة الصغيرة عن العمر القانوني، وهو ما شجع ظاهرة زواج القاصرات في اليمن والتي انتشر في اليمن أكثر فأكثر فوفقاً لتقرير اليونيسف 2017م فإن ثلثي الفتيات في اليمني قد تزوجن قبل سن ال18”.
وتابع: “إذا ما تأملنا قانون الاحوال الشخصية اليمني ككل فإننا لن نجد مادة واحدة تجرم العنف الاسري أو اعتبر الاعتداء الجسدي على الزوجة بالضرب أو ما شابة كجريمة تستحق العقاب، للأسف لا يزال المشروع اليمني يعتبر جريمة العنف الأسري مسألة خاصة وليست جريمة جنائية لها آثرها الفظيعة على الأسرة والحياة الزوجيّة”.
الجريمة والعقاب
تبيح المادة (232) من قانون الجرائم والعقوبات جريمة قتل المرأة حيث تنص أن (إذا قتل الزوج زوجته هي ومن يزني بها حال تلبسهما بالزنا أو اعتدى عليهما اعتداء أدى إلى موت أو عاهة فلا قصاص في ذلك وإنما يعزر الزوج بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو بالغرامة ويسري ذات الحكم على من فاجا إحدى أصوله أو فروعه أو اخواته متلبسة بجريمة الزنا)، كما يرى عمرو، وقضت المادة(42) من نفس القانون “عقوبة المرأة نصف دية الرجل.
يفسر المادة أعلاه من القانون المحامي عمرو:” أن المرأة كنفس وروح أيضا أقل وأصغر من الرجل، هذا أقسى درجات الاحتقار الآدمي في التاريخ البشري، بأن يتم التمايز بين الأنفس، بين ذكر وأنثى أننا نعود إلى العصور الوسطى اليوم”.
ويرى على الصراري وهو محامي وخبير قانوي في تفسير هذه المادة أيضًا:”جمهور الفقهاء لم يقصدوا التقليل من قيمة المرأة وإنما هو تقدير ما أصاب الأسرة من نقص وخسارة كون الرجل هو من يعمل ويصرف على أسرته”.
“الدستور يدعم المرأة”
من جانبه، يقول محمد المياحي، إن “الدستور اليمني لم يشرع التمييز ضد المرأة ولكن بسبب عدم وجود مركزية قانونية في البلد، هناك ممارسات قانونية ليست قانونية في الأساس وغير دستورية”.
وأضاف المياحي وهو ناشط حقوقي وإعلامي في حديثه لـ”يمن مونيتور”:” القوانين اليمنية تفسر وتؤول بطريقة تعسفية؛ مما ينتج ممارسات تمييزية ضد المرأة”.
المصدر الأول للقوانين الدستورية هي الشريعة الإسلامية أي قانون تمييزي يخالف الشريعة الإسلامية؛ لأن الإسلام يساوي الجنسين بالحقوق والواجبات.
ويرى المياحي: “أن القوانين منحرفة على المبادئ الدستورية؛ لأن مُشرع القانون يعتمد على تأويلات فقهية معينة فيها تمييز وخاضعة لتلاعب بسبب العادات والتقاليد المتوارثة حول مكانة المرأة”.
“تأهيل كادر قضائي”
بدوره، يقول على الصراري “إن الدستور اليمني كفل الحقوق الأساسية للجميع بما فيها المرأة ولكن انعدام الوعي لدى الجهات الأمنية والقضائية والجهات الرسمية يتعارض مع الأحكام التشريعية الإسلامية”.
وأضاف في حديث لـ”يمن مونيتور”:” الكوادر القضائية تفهم القانون بمفهوم خاطئ فتعاملون مع النساء بطريقة لا تتناسب مع وضعهن، وتفسر القوانيين بطريقة تمييزية ضد المرأة”.
وتابع: “الكوادر القضائية والجهات المعنية ومشرعو القانون هم من يحتاجون إلى التأهيل واكتساب الوعي القضائي ليضعوا قانون يتناسب مع الدستور المستمد من الشريعة الإسلامية العادلة والمنصفة للمرأة”.
المرأة تغير القانون
في أكتوبر 2021، قامت مجموعة من النساء الناشطات والحقوقيات بإطلاق حملة تحت عنوان “جوازي بلا وصاية”، وهدفت هذه الحملة النسوية إلى إلغاء التمييز ضد المرأة في إصدار جوازات السفر اليمنية، حيث يتطلب استخراج جواز سفر للمرأة موافقة ولي أمرها.
وتحقيق أحد أهداف حملة “جوازي بلا وصاية” في منتصف مارس 2022، بالتزامن مع اليوم العالمي للمرأة.
وتتمثل هذه الإنجازات في صدور توجيه من رئيس مجلس الوزراء للوزير المسؤول عن الشؤون الداخلية ووزير الشؤون القانونية وحقوق الإنسان، يدعو فيه إلى مراجعة الإجراءات والشروط التي تعيق حصول المرأة على جواز السفر، وتطبيق القانون وإزالة جميع العقبات التي تواجه المرأة في استخراج وثيقة السفر. تم تحقيق هذا الإنجاز بعد لقاء بين أعضاء الحملة ورئيس مجلس الوزراء.
وفي هذا الشأن، تقول شروق السعدي وهي ناشطة حقوقية: “استطاعت المرأة أن تغير القانون بفضل نضالها وتمردها على الظلم، ولو أنها تدرك حقوقها الكاملة وتكسب الوعي الكامل بما هو المفترض أن يشرع لها لانتزعت كافة حقوقها”.
الحلول والتوصيات
من جانبه، يقول الناشط الشبابي، زهير الطاهري: “لتغير واقع المرأة اليمنية ليس من الضروري تغيير القوانين ذاتها، ولكن مجرد عرقلة سريانها فقط سيكون كافيًا لحل هذه المعضلة وتغيير واقع ومستقبل المرأة اليمنية”.
يضيف الطاهري، في حديث لـ”يمن مونيتور”، بأن هناك قوانين عديدة تتحيز ضد المرأة، هي قوانين دينية، وإلغاؤها يعني إلغاء الدين، ولكن يمكن أيضا تجاوز هذه القوانين مع بقاء النص القانوني لها، هو نوع من التحييد القانوني، تحييد قانون عبر قانون آخر. أو التقييد القانوني، تقييد هذه القوانين بواسطة قوانين جديدة مرنة، تتفق مع العصر ولا تلغي الدين.
وشدد الطاهري، على ضرورة “إيجاد قوانين تضمن للمرأة حقوقها الأساسية من التعليم حتى الإستقلال المادي، قوانين عصرية ولكنها لا تتنافى مع الدين، بل يمكن حتى تكييفها دينيا، لتصبح من صلب هذا الدين”.
بدوره، يرى الناشط الإعلامي المياحي أن “القانون اليمني يحتاج إلى تعديلات كثيرة، فقد مرت عقود كثيرة منذ آخر تعديل عليه بسبب الوضع السياسي المضرب في البلاد”.
وأضاف “بقاء هذه القوانين بهذه الصيغة دون تعديل عاجل من شأنه ترسيخ ثقافة مجتمعية تسلطية ضد المرأة يترتب عليه مزيد من الجرائم والتجاوزات بحق النساء”.