أخبار محليةاخترنا لكمفكر وثقافة

المقالح الشاعر المجيد.. في محبة شاعر نبيل أحب مصر

د. محمود القيعى، نشر أولاً في مؤسسة الأهرام المصرية

حجازى: شاعر مجيد وصديق عزيز!

عبدالمطلب: قاد حركة الشعر فى اليمن بمهارة فائقة

درويش: مقرنته بالبردونى تشبه ما بين البحترى وأبى تمام

برحيل الشاعر اليمنى الكبير دكتور عبد العزيز المقالح تطوى صفحة ناصعة من صفحات الشعر العربى الحديث، ويغيب أحد المبدعين الأفذاذ الذين تركوا بصمات لا تمحى. «المقالح» ظل ممسكا بقلمه الذى كان يراه سلاحا أقوى من أعتى الأسلحة، ورفض أن يغادر محبوبته «صنعاء»، التى أهدى لها ديوانه «إلى صنعاء.. مدينة الثورة والأمل»

وتساءل فى مقدمة ديوانه :

« لماذا الحزن ؟ لماذا كل الشعراء حزانى ؟

أتذكرون صاحب القروح الذى بكى واستبكى؟

ومالك بن الريب ، أتذكرون مرثيته الباكية ؟

أتذكرون أحزان المتنبى – الصخرة – التى لا تحركها الكؤوس ولا الأغاريد ؟ّ!

أتذكرون أيضا تعللات أبى العلاء؟

راهن الراحل الكبير على الأدباء الشباب ، إيمانا منه بأنهم قادرون على فرض أنفسهم بمواهبهم وثقافاتهم ، فكتب «أصوات من الزمن الجديد«، مشيدا بهم، ومشجعا لهم، ومثنيا عليهم . رغم أنه كان عضوا فى معظم المجامع اللغوية فى العالم العربى وعلى رأسها» مجمع الخالدين» فى القاهرة ، فإنه كان من أوائل الذين نبهوا إلى أهمية العامية، فكتب« شعر العامية فى اليمن».

فماذا يبقى من « المقالح »؟ وأى أثر تركه على الشعر العربى ؟ وكيف تلقى النقاد والمثقفون نبأ رحيله؟

 

الشاعر المجيد

الشاعر أحمد عبد المعطى حجازى يصف المقالح بأنه شاعر مجيد وصديق عزيز، مذكّرا بأنه حين التقاه فى أوائل الستينيات عندما كان يقيم فى مصر بعد تغير النظام فى اليمن، قدم له بعض القصائد التى نظمها عبد العزيز فى ذلك الوقت ، وساعده فى نشرها. ويقول حجازى إنه فرح بها ، وكان دائما يشعر بالفرح حين يلقاه ، لأنه لم يكن مجرد شاعر فحسب ، بل كان مثقفا ثقافة بها كثير من الاعتراف بما قدمته مصر سواء فى الثقافة أو فى غيرها .ويضيف أن إقامته طالت فى مصر عدة سنوات، مما قوى هذه العلاقة بينى وبينه .

ويتابع حجازى :»بعد أن عاد إلى اليمن ، وانتقلت إلى فرنسا للإقامة بها، اتصل بى ليدعونى إلى ندوة نظمها لى بجامعة صنعاء التى كان رئيسا لها آنذاك ، واقترحت عليه أن يدعو أيضا صديقى العزيز الأستاذ الشاعر جمال الدين بن الشيخ، وكنت فى ذلك الوقت أعمل مع »بن الشيخ« فى قسم الدراسات العربية بجامعة باريس. ولبينا الدعوة، واحتفى بنا الدكتور عبد العزيز، وقدمنا إلى المثقفين اليمنيين، ونظّم لنا رحلة رأينا فيها اليمن «. ويلفت حجازى إلى أن أن علاقته بالمقالح استمرت حتى أواخر أيامه، مشيرا إلى أنه يشعر الآن بالألم لفقد هذا الصديق العزيز. ويختتم قائلا :«لا شك أن كل الذين عرفوه يشعرون بهذا الألم ، لأن المقالح كان إنسانا حقيقيا ، وكان شاعرا حقيقيا كذلك».

من أعلام الشعر

الناقد دكتور محمد عبد المطلب يقول إن المقالح واحد من أعلام الشعر فى هذا الزمان. ويضيف أنه قاد حركة الشعر فى اليمن بمهارة فائقة ومقدرة ليضعه فى وسط كوكبة الشعر العربي، ليربط بين القديم والجديد بمهارة لا يقدر عليها سوى المقالح، فجدد فى الفكر والأسلوب واللفظ والصور دون أن يفقد أصالته العربية ، مؤكدا أنه شاعر اجتماعى وسياسى وشاعر وطنى من الطراز الرفيع. ويواصل د. عبد المطلب قائلا :» لا أستطيع أن أنسى حبه الشديد لمصر ، فقد تعلم فيها وتربى فيها، وكان يقول لي: أكثر أيام حياتى حزنا يوم مغادرتى مصر». ويلفت إلى أنه كان يجمع فى ندوته الثقافية أعلام الفكر والنقد العربي، ليتناقشوا فى كيفية خدمة الأمة العربية فى أدبها وشعرها وفى سياستها من خلال الاتحاد.

 

موهبة وثقافة

برأى الناقد دكتور أحمد درويش، فإن رحيل الدكتور عبد العزيز المقالح خسارة كبيرة ، مشيرا إلى أنه واحد من أبرز الشخصيات اليمنية التى تبوأت مكانا علّيا فى الأدب العربى المعاصر. ويضيف: «المقالح واحد من الأدباء الذين جمعوا بين الموهبة والثقافة، وهو صاحب موهبة شعرية كبيرة، ونتاجه الشعرى ظل يتدفق على مدى عقود متتالية، وكان فى ذات الوقت صاحب تكوين علمى أكاديمى رفيع المستوى».ويلفت درويش إلى أن شعره تميز بجودة الإحكام الكلاسيكى، والمزج بينه وبين الحداثة، والحديث عن هموم الواقع اليمنى والعربى المتمزق، والاستعانة بالرموز اليمنية ذات المذاق الخاص: بلقيس ، وسيف ذى يزن، ووضاح اليمن، وغيرهم من أعلام اليمن البارزين فى الثقافة، حيث استطاع أن يستلهمهم مرة أخرى، مازجا فى سخرية بين الواقع والمأمول.

ويرى أن المقالح كان شاعرا موهوبا ودارسا عظيما غطى بكتاباته كثيرا من وجوه الحياة الثقافية فى العالم العربي، وكان شخصية مرموقة وشخصية عروبية يتحمس للوطن وقضاياه، ويبذل فى سبيل وحدته وشفائه من جروحه روحه وموهبته وقلمه الذى ظل ينزف حتى النهاية .

 

هو والبردوني!

وعن المقارنة التى تعقد أحيانا بينه وبين الشاعر اليمنى البردونى ، يقول دكتور درويش إن كليهما من كبار شعراء اليمن فى العصر الحديث، لافتا إلى أن لهما مذاقين يتشابهان تارة، ويختلفان تارة أخرى. ويضيف أن المقارنة بينهما قد تكون أقرب إلى المقارنة القديمة بين البحترى وأبى تمام ، بمعنى أن فى أحدهما الطبع والتدفق يغلب إلى حد بعيد، والثانى يضيف إلى هذا الطبع والتطبع الثقافة والحداثة ، وذلك هو اللون الذى يتميز به المقالح .

ويختتم درويش بقوله إن المقالح، إلى جانب شاعريته القوية، كانت له ثقافة قوية ومعرفة بحركات الآداب المحلية والعالمية، وتهذيب للذوق العفوى المنطلق، فى حين أن البردونى كان عفويا ولاذعا، أحيانا ينطلق لكى يقدم مذاقا أقرب ما يكون إلى الطبع، ويحمل مذاقه هذا الجماهير على الالتفاف حوله، ويظل مميزا بميزته الخاصة وطبيعته، لافتا إلى أن البردونى يضيف إلى كل هذا شخصيته ليقدم مذاقا يوازى ما قدمه المقالح، مع هذا الفرق بين الطبع والصنعة، أو بين اتجاه مدرسة أبى تمام و اتجاه مدرسة البحترى بالمعنى العام، وبالاتجاه الواسع، وكلاهما شاعر ممتع.

أما الناقد السعودى دكتور عبد الله الغذامى فيقول إن المقالح عمر زمن الثقافة العربية الحديثة إبداعاً وتأسيساً، وجعل جامعة صنعاء وجهةً ثقافيةً شاملة، ويضيف أنه حضر نشاطات الجامعة وتعرف على اليمن وتراثها وعلى الشباب اليمنى والشابات اليمنيات فى الثمانينيات، وعرض بحوثه هناك، لافتا إلى أنه لا يزال يعيش ذاكرة تلك الفترة.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى