آراء ومواقف

العار والفشل الأخلاقي: هل ثمة ارتباط؟

كريستا ك. توماسون

تروي مذكرات الشاعرة الراحلة لوسي غريلي التي جاءت بعنوان “سيرة وجه” معاركها مع سرطان نادر ظهر في فكها في مرحلة الطفولة. خلال فترة مراهقتها، مرت بسلسلة من جولات علاج السرطان والعديد من العمليات الجراحية الترميمية التي تركتها بفك مشوه واضح. شعرت غريلي بالعار (الخجل الشديد) من وجهها، ومذكراتها تساعد على إلقاء الضوء على التعقيد المذهل لهذه العاطفة. في مذكراتها، تحكي قصة ركوب الخيل في أحد العرض، فتقول:

“في التدريبات كنت أرتدي دائما خوذة وأترك شعري يتدلى من تحتها، لكن آداب السلوك تطلبت أن يكون شعري مدسوسا تحت الخوذة. هذا العمل البسيط لرفع شعري وفضح وجهي كان من بين أصعب الأشياء التي اضطررت للقيام بها. كنت مستعدة، وبكل سرور، للخضوع لأي قدر من الألم الجسدي للحفاظ على شعري مسترسلا للأسفل. لم يصدف أن علق أحد على شعري في العرض، وبالتأكيد لم يكن هناك أحد يسخر مني. لكنني تجاوزت هذه النقطة في ذلك الوقت كنت قادرة تماما على فعل كل شيء بنفسي”.

هل من المنطقي أن تشعر غريلي بالعار؟ من الشائع بالنسبة للفلاسفة الذين يكتبون عن العواطف الأخلاقية أن يفكروا في أن العار يتعلق بالإخفاق في الوفاء بقيم أو مثل شرعية. لنفترض أنني أتطلع لأن أكون شخصا شريفا. في لحظة من الضعف، أغش في لعبة البوكر. أشعر بالخجل من الغش لأنني لم أخفق في أن أرتقي إلى هذه الفضيلة فحسب، ولكن أيضا لأن كوني صادقا هو مثال جيد يُطمح إليه. في هذه الحالة، فإن مشاعري بالخجل والعار هي عقلانية وجيدة.

مشاعر العار لدى غريلي لم تمتلك أيا من هذه الميزات. قد يكون المثل الأعلى الذي فشلت في تمثله شيئا مثل الجمال المثالي. قد يجادل الفلاسفة أنه لا يوجد سبب للانتباه لهذه المثل العليا. قد يكون الجمال رائعا، لكنه لا يجعلك شخصا جيدا. ومن هو المؤهل لأن يقول ما هو “طبيعي” بالنسبة لوجه؟ من الممكن، أيضا، أن نفكر أن مشاعر غريلي لم تكن مشاعر عار على الإطلاق. ربما شعرت بالحرج من مظهرها.

علاوة على ذلك، كان وجه غريلي غير متناسق بسبب السرطان، لكنها لم تكن مسؤولة عن شكل وجهها، ولا هي مسؤولة عن إصابتها بالمرض. هي لم تفعل أي شيء خاطئ، ولأنها لم تكن مخطئة بسبب فشلها المزعوم، بدا أنها تحمل نفسها المسؤولية عن شيء لم تكن تسيطر عليه. في كلتا الحالتين، إذن، قد يكون العار الذي تشعر به غير منطقي.

على الرغم من أن هذا الرد قد يبدو صحيحا ومتعاطفا، إلا أن هناك أمرا ينبغي مراعاته. لنبدأ بفكرة أن ما شعرت به هو الإحراج وليس العار. لاحظ كيف وصفت غريلي تجربتها. تقول إنها كانت على استعداد لاختبار ألم جسدي شديد في مقابل السماح لها بالاحتفاظ بشعرها منسدلا. يشترك العار والإحراج في بعض الميزات المماثلة: نحن نحمرّ، نتمنى أن نختفي فجأة. لكن لدينا مواقف مختلفة تجاه التجربتين. قد يكون الإحراج شديدا، لكننا أحيانا نشارك قصصنا المحرجة لتوثيق العلاقات. تعمل القصص المتبادلة للحظات الجديرة بالاحترام في حياتنا لأن نتعاطف مع الإحراج بطريقة لا نتعاطف بها مع العار. لحظات العار الخاصة بنا هي أمور نادرا ما نشاركها مع الآخرين. ككاتبة، بعد سنوات فقط، كان بإمكان غريلي التحدث عن هذه اللحظات المخجلة، وفي الوقت نفسه، لم تخبر أحدا كيف شعرت.

حتى لو كنا نعتقد أنها تشعر العار، فإن سبب ذلك الشعور هو أنها كانت إلى حد ما واهمة، أو هكذا قيل لنا. تعلقت باعتقاد كاذب بأنها يجب أن تكون جميلة، أو تعتقد أنها كانت مذنبة بسبب السرطان. هل نعتقد بصدق أنها فكرت بهذه الطريقة؟

لنبدأ مع اعتقاد أنها ألقت باللوم على نفسها لإصابتها بالسرطان. كيف يمكنها حتى الوصول إلى هذا الاعتقاد؟ كانت طفلة عندما أصيبت بالمرض. هذا الادعاء يصبح أكثر تشويشا عندما نفكر في كل الناس الذين يشعرون بالعار من أجسامهم بسبب مجموعة واسعة من الأشياء. يتم توثيق الخجل بشكل جيد في الأشخاص الذين عانوا من أنواع مختلفة من التشويه، من حب الشباب وحتى الحروق. نحن ندعي على ما يبدو أن جميعهم – بغض النظر عن مدى اختلاف قضيتهم – يعتقدون بشكل خاطئ أنهم يتحملون المسؤولية عن الطريقة التي تبدو عليها أجسامهم.

بالتأكيد حاول الناس سابقا أن يريحوا غريلي، بالقول لها: “ليس خطأك أن يبدو وجهك على هذا النحو”. ومن المؤكد أنها كانت ترد: “أعرف، أعرف. ومع ذلك فأنا أشعر بالخجل حيال ذلك”. إذا أردنا الاستمرار في الادعاء بأن مشاعرها غير عقلانية، فيتوجب علينا القول إنها بالضرورة شعرت بأنها مسؤولة في أعماقها. الآن نحن نفترض أنها كانت مخطئة فيما يتعلق بمعتقداتها الخاصة، وقد اعتقدت سرا بذلك حتى عندما زعمت أنها ليست كذلك. لذلك كانت واهمة أكثر من مرة: مرة عن لوم نفسها على مرضها، ومرة أخرى عن حقيقة أنها اعتقدت أنها لم تلم نفسها.

ماذا عن فشلها المزعوم في تحقيق الجمال المثالي؟ يدعي الفلاسفة الأخلاقيون عادة أنه لا ينبغي لنا أن نهتم كثيرا بمثل الجمال لأنها ليست مهمة. ما يعنيه هذا هو أن مثل الجمال ليست مهمة من الناحية الأخلاقية: بعبارة أخرى، الكيفية التي يظهر بها الجسد لا تحدد نوع الشخص الذي أنت عليه. إن المُثُل “الحقيقية” أو “الشرعية” الوحيدة التي يجب أن نهتم بها هي الفضائل أو المبادئ الشخصية. إذا وصفت غريلي الشعور بالخجل من وجهها، فعندئذ يجب أن يكون ذلك بسبب اعتقادها بأنها كانت شخصا سيئا لعدم كونها جميلة بما يكفي.

تماثل هذه الاستجابة ما لدينا حول المعتقدات الخاطئة عن المسؤولية. وكما يسير هذا التفسير، فقد تم إضفاء الطابع الاجتماعي على غريلي (مثل الكثير منا) لاعتقادها أن قيمتها الاجتماعية تعتمد على الكيفية التي تبدو عليها، لذا يتوجب أن يكون اعتقادها “عميقا” بأنها فاشلة أخلاقيا بسبب عدم كونها جميلة بما يكفي. على الرغم من أنها قد تدعي بوعي أو عن عمد أنها لا تعتقد بهذا، إلا أنها يجب أن تكون معتقدة به بطريقة ما، فهو التفسير الوحيد لمشاعر الخجل تلك. ولكن هذه لم تكن تجربة غريلي على الإطلاق. عندما دخلت الكلية، وجدت مجموعة محبة من الأصدقاء: “شعرت بقبول لم أعرفه من قبل، وتمكنت من أن أكون منفتحة بصدق للحب الذي قدموه”. لكن هذا القبول لم يكن كافيا للتخفيف من خجلها: سمح لها أن “تعوض، لكنها لم تتجاوز” مظهرها. إذا كانت المعتقدات حول الفشل الأخلاقي هي أصل العار، فإن الحب والقبول يجب أن يخففاه. الحب يساعد بشكل واضح، لكنه لا يحل المسألة.

من المهم أن تسأل: ما الذي يحفز رغبتنا في الادعاء بأن مشاعر الخجل هذه خاطئة؟ أحد الدوافع هو تعاطف بحت. متعاطفون لا يريدون لها أن تشعر بالسوء حيال نفسها. بإمكاننا الحفاظ على هذه الرغبة من النية الحسنة دون أن نخلص إلى أن مشاعرها كانت خاطئة. يمكننا أن نريح الناس الذين يختبرون مثل هذه المشاعر بهذه الطريقة من دون محاولة تصحيح مشاعرهم.

السبب الآخر الذي نميل فيه إلى القول إن خجل غريلي كان غير عقلاني لأنه لم يكن أخلاقيا. بما أنها لم تشعر بالعار من الفشل الأخلاقي – أو ما اعتقدت زورا أنه فشل أخلاقي – فيجب أن يكون خجلها خطأ. يفترض هذا الرد أن الموضوعات “الحقيقية” الوحيدة للخجل هي عيوب أخلاقية. هذا غير صحيح. يشعر الناس بالخجل من مجموعة واسعة من الأشياء، بعضها فقط هي عيوب شخصية أو أخطاء. من المغري أن نعتقد أنه لا ينبغي لنا أن نشعر بالخجل بشأن أي شيء باستثناء الأخطاء الأخلاقية، ولكن حتى لو لم نشعر بشيء، فلا يتبع ذلك أننا مخطئون عندما نشعر بذلك. فقط لأن الشعور العاطفي يبدو سيئا، لا يمكننا الاستنتاج أنه ليس من المنطقي أن نشعر به. ربما كانت غريلي أفضل حالا لو لم تشعر بالخجل من وجهها، لكن هذا لا يعني أن مشاعرها غير عقلانية.

لو لم يكن خجلها غير منطقي فقد يكون الوقت قد حان لإعادة التفكير في الاستنتاجات التي توصلنا إليها بشأن الخجل. يتفق معظم الفلاسفة على أن العار يدور حول عدم الالتزام بمثلنا الأخلاقية، لكن يبدو أن قصصا مثل قصة غريلي وغيرها لا تناسب هذا التعريف. على سبيل المثال، من الشائع للأشخاص الذين يعانون من مرض عقلي أن يشعروا بالعار. الناس الذين يعانون من الفقر يشعرون بالخجل بسببه. من الشائع أيضا أن تشعر النساء بالخجل أكثر من الرجال، وأن يشعر السود بالخجل أكثر من البيض. القول إن كل هؤلاء الناس يشعرون بالخجل لأنهم يشعرون في أعماقهم بفشل أخلاقي، يفترض أن جميع سكان الأرض يعانون من الوهم. ربما لا تكمن المشكلة في أن هذه الحالات غير منطقية. ربما تكون المشكلة هي أن الخجل لا يتعلق بالمثل في المقام الأول.

 

* كريستا ك. توماسون: أستاذ علم الفلسفة في كلية سوارثمور في ولاية بنسلفانيا الأميركية، ومؤلفة كتاب “الجانب المظلم من الخجل والحياة الأخلاقية”.

*ترجمة الغد الأردنية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى