بلدكم ينهار يا ساده
عندما كنا صغارا كانت تتردد لمسامعنا عبارة ( التكرار يعلم الحمار)، وعندما تفتحت مداركنا استوعبنا، ان التكرار يعلم الشطار.
تذكرت هذه العبارات وانا اشاهد الانقسام الحاد في المواقف بين القوى السياسية والاجتماعية ومنها القبلية في بلادي اليمن، انقسام في التأييد لسلطات الامر الواقع، وهي سلطات فرضت نفسها علينا بالعنف، بعد الانقلاب على مخرجات الحوار الوطني، حوارا مهما قيل عنه، فقد جمع كل القوى المتصارعة، جمع الضحايا والجلاد، وأصحاب المشاريع الصغيرة، والمتطلعين للتغيير، واتفق الجميع على ان الدولة العادلة والحكم الرشيد هو الحل، والبدا في هيكلة مؤسسات الدولة من احتكار سلطة السلالة والنزعة القبلية والطائفية والمناطقية، ونزع فتيل التشرذم والاقتتال على تلك الأسس، وهو اتفاق كغيره من الاتفاقات التي ينقلب عليها أصحاب تلك النزعات، حتى صارت للأسف سمة لصيقة باليمنيين، وهي سمة ببعض القبائل التي ترى ان من حقها الحكم عرقيا او سلاليا، وتطورت الى الحق الإلهي الذي يروج له اليوم في الشمال، والحق المناطقي الذي يروج له اليوم في الجنوب.
منذ الاستقلال في الشمال والجنوب، وسقوط حكم الإمامة، والاستعمار والاقطاع، وإعلان الجمهورية، وهو انتقال حقيقي لنظام وطني قومي، واجه تحديات داخلية وخارجية، مجتمع قبلي سلالي في الداخل، ومحيط أنظمة اسرية ممالك وامراء يتوارثون الحكم في الإقليم ، مثلت الجمهورية لهم رعب سقوط انظمتهم، فعملوا على تغذية المجتمع القبلي والسلالي في الداخل، ليعلوا شأنه على شأن الثورة والجمهورية والدولة الوطنية، واحيكت المؤامرات على ان تبقى الجمهورية تحت السيطرة، نظام شكلي تحكمه القبيلة والسلالة، بتوزيع غير عادل للحكم، وكلما تشكل نظام وطني كان في الجنوب او في الشمال يضرب قبل ان يشتد عوده، ليتم الدفع بأدوات رخيصة لتحكم جمهورية بدون نظام جمهوري، وشيئا فشيئا تم سلب الإرادة والسيادة، حتى تفجر الربيع اليمني، وجدو فرصتهم للتدخل والدعم المباشر لتشكيل ادواتهم في الداخل، وتقسيم البلد طائفيا ومناطقيا وسلاليا، وبدلا من هيكلة المؤسسات الأمنية والعسكرية والوظيفة العامة، تم تشكيل مليشيات سلالية وطائفية ومناطقية، والسيطرة على الوظيفة العامة، بدعم غير محدود من أنظمة الإقليم بتواطؤ دولي.
ولهذا تمر اليوم علينا ذكرى الثورة مرور الكرام، والمناسبات التي قدم الشعب فيها تضحيات جسام من اجل إرساء فكرة الدولة الوطنية، وروح الجمهورية والنظام والقانون، دون أي احتفال، تمر ذكرى ثورة سبتمبر في الشمال وثورة أكتوبر في الجنوب، باحتفالات على استحياء، حتى ثورة الشباب 11 فبراير و 19 فبراير في عدن، وجمعة الكرامة، ومخرجات الحوار الوطني، وكل ما يتعلق بالانتفاضات الوطنية، ورؤية وفكر الدولة الوطنية، لم تعني القائمين اليوم على السلطة، ولم تشعل روح الجماهير وفكرهم ليستعيدوا ارادتهم وسيادة وطنهم، والحديث اليوم عن السيادة هو حديث للاستهلاك، مثار سخرية من أدوات الارتهان والتبعية.
مع الأسف ان يصل بنا الحال كمجتمع تعرض للصدمات المتكررة، التي جعلته يتبع سلطات الامر الواقع، مسحور بخطابها الذي لا يتوافق والدولة الوطنية، خطاب مليء بالزيف والتغرير، ومحقون بالفخاخ والمتفجرات التي تتفجر من حين الاخر لتقضي على أي فكرة للدولة الوطنية في أي بقعة من الأرض الوطنية للبلد.
لا الحوثي ولا الانتقالي يمثل تطلعات الناس لا في الشمال ولا في الجنوب ، والشرعية تم إعادة هيكلتها وافراغها من القوى الوطنية والداعون للسيادة الوطنية والإرادة الجماهيرية، لتتحول لوعاء لكل من تم ترويضه ليكن تابع للقوى المؤثرة إقليميا، وأدوات الاستخبارات العالمية، أدوات الاستعمار والصهيونية، لم يعد يخفى على احد ذلك، وصارت المؤامرة بالعلن انتقلت من تحت الطاولة لفوق الطاولة، بأدوات مفضوحة، بل بتفاخر غبي، وصرنا شهودا على سيناريوهات مذلة، بتقبل مهين لها، مع الأسف بالأحوال ولا قوة على الأرض، بعد سيطرت القوى الرثة وافساد الواقع والحال، في مجتمع لا يقبل روح المبادرة، المبادر اليوم متهم، وكل ما يتعلق بفكرة الدولة وترسيخ روح النظام والقانون يتعرض للاندثار.
المليشيات على ارض الواقع تفرض علينا قوانينها وثقافتها ، اعراف القبيلة والعشيرة، تستحضر اعراف بالية ومهينة كانت قد بادت حينما سادت فكرة الدولة.
في الشمال تفجر المساكن، وفي الجنوب يهان المعلم والمثقف والوطني والوحدوي، وتنتشر السجون وتمتلئ المعتقلات بأصحاب الراي وكل وطني وقف في صف الثورة ومع الجمهورية ويدعو للسيادة، والباقي مسرحيات سمجة تمارس اذلال واهانة شعب وامة عريقة وحضارة وتاريخ، لتحولنا لمجموعات متناحرة وكنتونات فاشلة، وحروب عبثية لا تبقي ولا تذر.