مأساة عدن والعقلية
إذا كان الطقس في عدن حارا خانقا، فالعلاقات العامة فيها أكثر اختناقا، بفعل الشحن والتحريض، لقوى الصراع المعطل لفكرة الدولة، والتجاذبات المعيقة لدور المؤسسات، اختلفوا بوعي، فالاختلاف نعمة، نعمة تتضح بين أوساط الناس ورضاهم، وحسن واقع الحياة العامة من خلال الارتقاء بالعلاقات العامة.
سوء العلاقات العامة، هو فشل واضح في إدارة الاختلاف، والتعامل مع الآخر كشريك، وإتاحة الفرصة له في التعبير والرأي، في تنافس نزيه كلا يقدم نفسه للناس، وهم يختارون بأريحيه.
مأساة عدن، تكمن في خلل واضح بالعقلية المسيطرة عليها، والعاجزة عن إدارة شؤونها بحيث لا ضرر ولا ضرار، ترفع البندقية لتفرض واقعا على عدن وأطيافها وتنوعها العرقي والثقافي ان يقبل به بالعنف، بندقية ثورة ثورة لا اصلاح، مفهوم معبر عن طيش الشباب (حسب اعتراف بعضهم)، وجندي قروي تربى في كنف المستعمر، وتاه وعي الثورة في كنف هيمنة سلطة القمع، والبندقية وهي تصفين المعارضين والقوى الحية، وتعطيل دور عدن.
منذ 67م وجلاء آخر جندي مستعمر من عدن، مارست البندقية الاقصاء والتهميش وإلغاء الآخر المختلف، وقامت بإدارة معارك تمزيق الممزق، وتجزئة المجزأ، التي ادمت الجنوب اليمني، وعسكرت عدن، وأفقدتها روحها المدني، وارثها المتنوع ثقافيا وفكريا، وتعايشها الجميل، وحرمت أبناءها من حقوقهم المدنية والسياسية والثقافية والاقتصادية، بسببها فل نور عدن بين الأمم.
ذلك الماضي عبر ودروس، فهل استوعبنا عبره وتعلمنا من دروسه.
والمؤسف ان نعيد تجربة مريرة، ونكرر المأساة، نرفع شعارات جميلة، ونمارس القبح على الواقع، ونبقي عدن تحت ذلك اللون الضبابي المخلوط بالون الدم والقمع والقهر، وخطاب ثقافة الكراهية والعنصرية، ورداءة العلاقات العامة بين شرائح المجتمع واطيافه ومشارفه السياسية.
العلاقات العامة اليوم في عدن واليمن تسود فيها حالة العداء، حيث يسهب البعض في التفنن في سرد الاشاعات والاكاذيب والاتهامات ضد الآخر، معتقدا انه بتشويه الآخر يبض صورته، وبتقبيح الآخر، يظهر بمظهر جميل، بتدمير الآخر سيبقى هو الرهان، متناسيا أن حبل الكذب قصير، وان الناس شبت عن الطوق، وتجاربها ما زالت ماثله بذهنية غير مثقوبة.
الحقيقة التي يتفق عليها الجميع أن الفساد هو بلوة الواقع، ورجاله هم نفوذ هذا الواقع، والحقيقة المرة أن الكل يخلي مسؤوليته من هذا الفساد ويرميه على الآخر.
وبالتالي فالكل اخلى مسئوليته، منتظرا سقوط الآخر ليحكم، فسقطوا جميعا وفاحت روائحهم النتنة، في وحل فاسد مدعوم من قبل التحالف والعالم المنافق.
استمرار سيطرة تلك البندقية وتلك العقلية، هو استمرار لمأساتنا، ننتظر قرارات شجاعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والعودة لجادة الصوب وعين العقل، لتعود عدن متنفسا للجميع، وساحة حرة للرأي والمشاريع، ومنبر ثقافي وفكري تتبلور فيه اجمل الأفكار، مخاض للعصف الذهني، يحطم كل قيود العنف، وينهي دور البندقية في فرض امر واقعا وقرارات مصيرية على الامة.
فهل يعملها المجلس الرئاسي ورئيسة الاكاديمي الدكتور رشاد العليمي؟!