آراء ومواقف

في زيارة بايدن المرتقبة

مصطفى ناجي

قبل أن يقوم بادين بزيارة إلى السعودية كتَبَ مقالا يبرر فيه هذه الزيارة. للسعودية موقع كبير في السياسة الخارجية الامريكية. ولهذا الموقع وجهان ايجاب وسلب. وله حساسية مفرطة ينبغي مراعاتها. سعودية اليوم فتية وبحاجة إلى معاملة بقدر تطلعاتها.

لكنها فتوة لها ‏هشاشتها والأمنية تحديداً أولاً، وإرث الماضي الثقيل في العلاقات الدولية ثانيا، وثالثاً انها محاطة ببؤر اضطراب عديدة حادة. وانطلاقا من موقعها في السياسة الامريكية فاليسار الأمريكي يبالغ في وعوده في تأديب السعودية إرضاءً لقاعدة جماهيرية لها شعبويتها الخاصة وغرورها تجاه الاخر خصوصا ‏القريب من خصمها السياسي أمريكيا.

زاد غرور تعامل اليسار الأمريكي مع السعودية منذ ان خرجت أمريكا من نير التبعية النفطية وأصبحت ليست مكتفية فحسب بل قادرة على التصدير.

كان هذا في عهد اوباما الذي قرر تغير قواعد اللعبة في المنطقة العربية وتعمّد إذلال الخليج بمنح إيران هامش سياسي ‏أكبر مقابل صفقة نووية عرجاء.

إلا أن التحول في قيادة السعودية رافقه أيضا تغيير في عقيدة السياسة الخارجية وجنوح نحو التدخل الخشن كما هو الحال في اليمن مع وصول شخص أرعن إلى سدة الحكم في امريكا هو ترامب اقترب منه الخليجيون دون حذر. ذهب ترامب فجاء وقت تصفية الحسابات.

‏لم يفلح أي طرف في تحقيق مراده وقرر الخليجيون الانفتاح على عوامل تأمين مصالحهم خارج المدار الأمريكي الذي فقد مصداقيته مراراً. كان يمكن لهذا الخيار ان يمر بسلاسة لولا حرب روسيا في أوكرانيا التي اعادت للنفط الخليجي أهميته الاستراتيجية ودفعت أمريكا الى التفتيش في دفاترها القديمة ‏بحثاً عن أصدقاء.

كان بايدن قد قرر اتخاذ موقف متصلب له طابع شخصي من السعودية أكثر من كونه حسابات استراتيجية أو تكتيكية. فاذا استطاع تجاوز شخصه فكيف له ان يواجه غرور اليسار وكراهيته للسعودية كعقيدة في السياسية الخارجية لا تخفي عنصرية حضارية امريكية تجاه عرب الصحراء؟!

‏ثم إن أمريكا اثبتت عجزها عن تامين الخليج. هي تناور بشكل مفضوح لتشكيل كيان اقليمي يقوم بالمهمة وتتملص من وعودها. ناتو شرق اوسطي ليس أكثر من تهرب أمريكا من حقيقة فشلها في هذه المهمة. لأن حروب المنطقة غير تماثلية asymmetrical وليس سوى قوات برية وتصنيع محلي يقدر على المواجه المكلفة.

فضلاً عن أن دخول إسرائيل في أي كيان دفاعي قبل حل الصراع معها يعني فقدان هذه الدول لبعد أخلاقي في حربها مع إيران سيما وهي استعانة بمن يبحث عن الأمان أصلًا.

وبالعودة الى المقال الموجّه إلى الداخل الأمريكي والذي لا يرسم ملامح وجدول اعمال الزيارة. هو محاولة بايدينية لتبرير التراجع عن الموقف وتوضيح حقيقة أهمية السعودية التي لا يمكن تجاوزها. وقبل هذا حاول بايدن تسويق نجاحات سطحية تبرهن على حسن خياراته السياسية الدبلوماسية.

وللأسف فإن واحدة من هذه النجاحات الزائفة هي مشكلة اليمن. فالنجاح بعيون الامريكان هو اخفاء دخان نيران الحرب دون ممانعة ان تبقى الحرب جمرا ورماد. والهدنة الواقعة هي تراجع في مستوى الاحتراب وتأمين لمصادر النفط. لكنها هدنة تتحول ورقة رابحة لإيران وأذرعها وأقرب طريق للابتزاز.

فعلى سبيل المثال يستطيع الحوثي بتهور غير محسوب العواقب ان يقصف مجددا مواقع النفط في السعودية فماذا يستطيع الامريكان فعله؟ ثم ماذا يستطيعون تقديمه للسلام في اليمن؟ وعلينا أن نتذكر هنا أن الحوثي لم يلتزم ببنود الهدنة تجاه الداخل اليمني وربما التزم فقط تجاه السعودية ترجمة منه بأن الهدنة تعكس صراعه مع السعودية فقط. انظروا ماذا يفعل في موضوع طرق تعز وماذا يمكن للأمريكان فعله غير دفن رؤوسهم في رمال التجاهل الدافئة.

لكن ينبغي الإشارة الى ان الدافع الذي قاد بايدن إلى التنازل والذهاب الى السعودية (النفط) هو أيضا سبب لتقديم تنازلات أكبر لإيران وبرنامجها النووي. بالتالي لا ضمانة حقيقية تستطيع ان تقدمها أمريكا وهي تلعب بالبيضة والحجر. كل ما يريده الامريكان هو مزيد من النفط وقليل من الحرب ‏في هذه اللحظة.

لكن ماذا تريد المنطقة من الامريكان؟ وهل ما يزال الامريكان قادرين على ذلك؟

 

نقلاً من صفحة الكاتب على موقع “فيس بوك”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى