اخترنا لكمكتابات خاصة

تتشابه الآلام في بلدي

افتخار عبده

ارتفع صوت المآذن بالتكبير فقد كان وقت أذان الظهر، فذهب بعض كبار السن ليلحقوا وقت الصلاة بخطواتهم المرتعشة التي تحاول العصا التي يحملونها أن تثبت وقع تلك الخطى جهدها.

في ذلك الوقت العصيب الذي تصل فيه الشمس إلى كبد السماء فترسل أشعتها رحمة ببعض الخلائق، وغضبا على البعض الآخر، كانت حرارة الشمس في حينها شديدة على غير عادتها، وكأنها تنبئ بحادث أليم والناس في وسط المدينة يتهافتون على أخذ حاجاتهم، فمنهم من يجري وراء الخضرة والبعض يشترى القليل من البهارات وآخرون يتهافتون إلى سوق القات بعجالة شديدة توحي أن الكمية موشكة على النفاد.

ارتفع صوت المآذن بالتكبير فقد كان وقت أذان الظهر، فذهب بعض كبار السن ليلحقوا وقت الصلاة بخطواتهم المرتعشة التي تحاول العصا التي يحملونها أن تثبت وقع تلك الخطى جهدها.
جاء يجري من آخر الشارع يحمل بين يديه أعواد الأراك وعلى ظهره قطعاً من الإسفنج يشير بها لهذا وذاك ولم يلقَ تجاوبا من أحد، لماذا ياترى يتم تجاهل هذا الصغير، أحجمه منعهم من ذلك فهم لايرون له وجودا؟ أم أن حالته المتعبة أصابتهم بنوع من الغرور وجعلتهم يبتعدون عنه ترفعا واستعلاء؟
بوجه شاحب ويدين صغيرتين وشفاه متشقق، بعينين جاحضتين الدمعةُ فيهما تجاهد هي الأخرى كي لا تسقط كما يجاهد هو الآخر كي لا يسقط في هذه الحياة القاسية هو وأسرته التي هي الآن بانتظاره.
يجري بين الناس هناك وسط الزحام يريد أن ينفق بضاعته أو بعضا منها.. يهز أيدي من يتجاهله لينبهه أنه هنا لا يريد التسول ولكنه يريد المال الحلال الذي منه يعيش العزة والإباء، تجاوب معه البعض فارتسمت ابتسامة على ذاك الشفاه المشقق فظهرت منه بعض قطرات من الدم،  ثم حاولت تلك الدموع أن تخفي ذاتها في بحر عينيه.
اقترب نحوي وهو يمسح فاهه كي يضيع ما ظهر عليه من الدم، قال اشتري، وأنا غارقة في الشرود أبحث عن هذه الحالة فقد صادفتها قبل ذلك أو رأيت مايشابهها، فالآلام في بلدي اليوم تتشابه وجها ومعنى.
توقف قليلاً منتظراً مني جواباً فلم يجد غير الشرود والتحديق في عينيه فقال بصوته المتوسل: مساعدة ياخالة، أفقت وقتها فسألته متى خرجت من المدرسة اليوم ؟! ،قال: أنا؟! لا بطلت  الدراسة، قلت لماذا وهأنت ذكيٌّ يظهر ذكاؤك في عينيك؟ أطرق رأسه برهة وقال: بطلت كي  أعمل لأنفق على أمي وأخواتي، سألته وأين أبوك؟، كان يتهرب من أسئلتي خائفاً يترقب هرب من هذا السؤال بقوله  تشتري وإلا  لا تؤخرينا، قلت حسناً ولكن هل بالإمكان أن تخبرني أين أبوك لماذا لا يأتي هو ليبع وأنت تذهب للمدرسة؟!، قال من يعيش تحت التراب لا يبيع ولايشتري إن أبي  قتل قبل عامين غدرا وفي الوقت الذي كان أبي موجودا فيه كنت أذهب للمدرسة  دون هم!
أعلم جيدا أنك دون أبٍ فقسمات هذا الوجه توحي بأشياء كثيرة فمنها عرفت أنك دون عائل وأنك العائل الوحيد لناس لايعلم حالهم وحاجتهم إلا الله ولايعرف عددهم إلا هو.
ذكاؤك في اختيار الألفاظ والتعامل مع الناس والصبر العظيم الذي تتحلى به لايعني إلا أن الحياة قد دربتك على الكفاح وعلى تقبل الأوجاع.
سألته من قتل أبوك؟!، عندها ارتعب الصغير وأراد المغادرة فقد أحس بداخله أنني أتجسس عليه، أو أني واحد من القتلة، غيرت مجرى الحديث للسؤال عن عدد الأخوات فقال ثلاث أخوات وأم هن بانتظاري الآن، وعلى عجالة أخذ مني قيمة الإسفنج وولى ظهره يجوب بين تلك الزحام مخلفا لي أسئلة كثيرة تبحث عن إجابات.
ترى كيف هو حالهم في البيت وهذا الصغير هو العائل الوحيد لهم وكم من الوقت يعيش هذا الصغير بين هذه الزحام؟ ثم هل يستفيد من بضاعته هذه؟ وهل هي الدخل الوحيد لهم؟!
**المقال خاص بموقع “يمن مونيتور” ويمنع نشره وتداوله إلا بذكر المصدر الرئيس له.
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى