كتابات خاصة

زوجة الشهيد

إفتخار عبده

على أمل أن يحصل على أولاد، أراد الزواج بالأخرى، وقد كان زواجه مباركا إذ إن الفتاة التي حصل عليها أتت على ما كان على باله.. إنها سريعة البديهة، رقيقة الكلام، بديعة المنطق.. كانت تحبه حبا جما وتؤثره على نفسها كثيراً.

 لم يأت يوما تفكر فيه أن سيكون هذا الحبيب فقيدها وشهيد البلاد، على الرغم من حبه للجهاد والجلوس في المتارس بانتظار العدو والتصدي له لساعات طوال من الليل والنهار.
لقد كان يراودها القلق بين الحين والآخر عندما ترى تشبثه بالجهاد فتحاول جاهدة أن تلين قلبه لها، هي لا تود أن تفقده كما فقدت الكثير من حولها.
 قالت له ذات يوم: أو لم تضيق من أصوات الرصاص والمدافع؟ أو لم يأتيك الملل من الجلوس هناك؟، بادرها بالقول: ياعزيزتي إن أصوات الرصاص عندي كأغاني فيروز وقت الصباح.. أولست أنت التي لا تًسمِّ الصباح صباحاً إلا بسماع تلكم الأغاني؛ فالحرب بالنسبة لي عزف جميل من خلاله سنحصل على دقات جرس النصر والنصر قريب بإذن الله، كان لسانه رطبا بذكر الله على الدوام، مقتنعا بحاله يقول على الدوام (ربي لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين)، كان حلمه الوحيد حصوله على الأولاد وتحرير البلاد، لكن اصطفاه الله بعد حين شهيداً من بين أصحابه قبل أن تتحرر البلاد وقبل أن يرزق بالأولاد!
 تحقق مراده الأخير، الشهادة في سبيل الله ليدعها تلوك المرارة بعد ذلك، وتبات تصارع مرارة الحياة وحقد الأهل عليها، فلم تعد كما كانت في وقت وجوده معها، لم تعد تلك المدللة.. ولم تعد تنعم بمرتب زوجها وليست ممن له الحق بذلك!
 باتت تصارع الحياة جريا وراء الحصول على بعض من مرتب المرحوم أو تبحث عن مصدر دخل تستطيع من خلاله الحصول على حياة مرضية لها تضمن بها العيش المليق بها بصفتها بشر من الناس.
 هل هذه حياة نساء الشهداء بكل مكان أم أن القدر أرادها وحدها أن تكون من المتعبين الذين أضنكتهم الحياة؟؟
امرأة تقرأ في عينيها براءة الأطفال وتلحظ في وجهها عناء الحياة، ويعطيك كبرياؤها دوساً في كيفية التعامل مع الحياة البئيسة الكئيبة، وكيفية التصبر عليها وكأنها جبل يواجه كل الخطوب دون انحناء أو شكوى.
فعلا..الحرب أتت لنا بكل قصص الحزن والوجع والصبر والجمال وكل صنوف الأوجاع والأفراح والعجائب والتناقضات.. وكل شيئ.
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى