كتابات خاصة

الغش قبل التعليم!!

بلال الطيب

ما مـن عـام يأتي إلا وتأتي معه أساليب وابتكـارات جديـدة في «فن التغشيش»، تأخـذ الكثير من جهد ووقت طلاب «كُسالى» لم يعطوا مذاكـرة الدروس أي اهتمام؛ حتى غدت هذه الظاهرة عُرفاً أرعن، وثقافة هوجـاء، وسرطاناً يهدد مستقبل أجيال ووطن، والأسوأ أنها أضحت أمراً عادياً يفعله الجميع، ولا يعترض عليه أحد.

ها هي الامتحانات الوزارية لـ «شهادة الثانوية العامة» قد بدأت، المَشهد ذاته يتكرر لأناس خارج أسوار المدارس، ربما فاق عددهم عدد الطلاب المُمتحنين، من الدقيقة الأولى تتسرب الأسئلة، فتتوارد الإجابات النموذجية على الفور، جميع من في الخارج مُستنفرون على قدم وساق وجيب أيضاً، يعملون كخلية نحل دون توقف، الكل يريد أن «يَتَجمل» مع «ابنه، ابنته، أخيه، أخته..»، حتى «الطـارف»!!.

كثير من الطلبة لم يعودوا يعتمدون على مجهوداتهم في الاستعداد للامتحانات، وإنما أصبحوا يعتمدون على الغش، الذي أضحى بنظر بعضهم مُجرد تعاون آني ونبيل لأجل النجاح، وفي ذلك تراجع خطير في القيم، خاصة قيمة طلب العلم، والسعي في سبيله، والكد والسهر من أجله، فماذا سينتج هؤلاء الطلبة الغشاشون، ما هو الهم الذي يحمله الواحد منهم؟ ما هو الدور الذي سيقومون به؟ بالطبع لن يقدموا شيئاً، ولن يفكروا حتى في ذلك!!
ما مـن عـام يأتي إلا وتأتي معه أساليب وابتكـارات جديـدة في «فن التغشيش»، تأخـذ الكثير من جهد ووقت طلاب «كُسالى» لم يعطوا مذاكـرة الدروس أي اهتمام؛ حتى غدت هذه الظاهرة عُرفاً أرعن، وثقافة هوجـاء، وسرطاناً يهدد مستقبل أجيال ووطن، والأسوأ أنها أضحت أمراً عادياً يفعله الجميع، ولا يعترض عليه أحد.
أسباب كثيرة تقف وراء استفحال هذه الظاهرة المُريعة، تارة تتجه صوب الأسرة، وتارة صوب المجتمع والنظام التعليمي ككل، وتبقى «التنشئة الخاطئة» سبب بارز لا يمكن تجاهله، وهي تبدأ من عدم نهي الصغار عن التعدي على ممتلكات الآخرين، ولا تنتهي بحرص الأباء على نجاح أبنائهم في الامتحانات، وبأي ثمن.
 يُغدق هؤلاء الأباء السيئيين أموالهم على أبنائهم في كرم غير مسبوق، إما من أجل تكاليف ضيافة وإقامة اللجان الإمتحانية، وإما لغرض رشوة المُراقبين، وتصوير «البراشيم»، ويحضرني هنا التذكير بمقولة لأحد الزملاء بأنَّ أباه عاتبه يوماً قائلاً: «أنا اللي ربيتك، ودرستك، وغشيت لك!»، فما كان مني إلا أن صارحته ساخراً: «يا سلام.. ونعم التربية!!».
«القدوة الحسنة» لا يمثلها الأب فحسب، فالمُعلم ركيزة أساسية في التربية، والتربية – كما قيل – قبل التعليم، ويبقى المُعلم الناجح – وعلى مر العصور – محور رئيسي، وحجر زاوية في بناء المُجتمع، وبصلاحه تصلح العملية التعليمية، ويصلح المجتمع برمته، وهو قبل هذا وذاك قادرٌ على اجتثاث ظاهرة الغش؛ إن هو توقف عن ممارستها أصلاً!!
في بلادنا، ودوناً عن بلاد الله، ثمة مدرسون سيئوون يتفرجون على عمليات «الغش المُنظم»، يشرفون على مرور الإجابات، وقد يصل الأمر إلى أن يقوم أحدهم بكتابة الإجابة النموذجية فوق السبورة، فيما يقف خارج اللجان الامتحانية ـ حيث «البراشيم» المُتطايرة ـ طابور طويل منهم، يمدون الطلاب بالإجابات، والأشد والأنكأ من ذلك ما يحصل في بعض مدارس المدن الكبيرة، حيث يقوم مدراء تلك المدارس بتسهيل وتنظيم عمليات الغش وجعله أكثر فعالية ـ بحجة أن تستمر مدارسهم – أو مدارسهن إن صح التعبير – في صناعة وتصدير أوائل الجمهورية.
أي عبث هذا الذي يمارسه هؤلاء بحق رجالات المُستقبل، أي قدوة سيمثلها هذا المدرس الذي بقي طيلة عام دراسي كامل يعلم تلاميذه الصدق والأمانة، ومكارم الأخلاق، وأتى في النهاية يعلمهم الغش، وشهادة الزور، وكلامي السابق لا أقصد به الجميع، وإنما أقصد به من أساؤوا لهذه المهنة السامية، أقصد به الصامتين، قد يكونون قليلين، ولكن السيئة في النهاية تَعُم، ورحم الله مُعلماً أدرك قيمة نفسه، ومهنته، ووطنه المُنهك، الذي لم يعد يحتمل المزيد من النكبات.
المقالات المنشورة لا تعبّر بالضرورة عن سياسة (يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشرها دون الإشارة إلى مصدرها الأصلي.
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى