كتابات خاصة

المعرض الذي كان

سلمان الحميدي

مازلت ألوم نفسي: لموه ما اشتريناش منهم الملازم علشان نسكه الحرب. قبل عرسي، أعطتني الأسرة مصروفًا لأجهز نفسي بملابس جديدة لأول مرة سأرتديها في الحياة الجديدة، من الثوب إلى ربطة العنق؛ لكن حين ذهبت إلى مدينة تعز صادفت وجود معرض دولي للكتاب، لم أحضر مهرجانًا للكتب من قبل، ولم أجد نفسي في مقاعد المشاركين بأي نشاط ثقافي أبدًا، أغرتني نفسي للدخول إلى صالة المعرض قبل الذهاب إلى شارع الخياطين، كان المعرض جنة.

اندهشت من كمية الكتب، صلت وجلت كل زاوية ورواق، طفت الصالة أكثر من سبعة أشواط، كنت منجذبًا للأغلفة، أريد أن أستحوذ على المعرض كاملًا، ابتهجت وأنا أرى اللوحات الفسفورية لدور النشر، حتى الكتب المكتوبة بلغة لا أعرفها وقفت أمامها متأملًا، متعة الوقوف بين الكتب لا تضاهيها أي متعة كما ساورني الشعور حينئذ، مربع معتم وغريب وسط المعرض يلتفت إليه الزوار وهم مارون فتتسارع خطاهم دون أن يتوقفوا، لم تقترب منه امرأة، بدا مثل بقعة برمودا وكأن من سيقترب منه سيفقد ذائقته إلى الأبد، كانت تلك البقعة الشاذة عن المعرض كله، بقعة لمكتبة الملازم، يقف أمامها ثلاثة شبان أشكال رؤوسهم بيضاوية وألوان ملابسهم بعيدة كل البعد عن التناسق، لا وجود للأغلفة الجذابة هناك، الموجود ملازم مغلفة لمحاضرات حسين بدر الدين الحوثي.
قبل عرسي اعطتني الأسرة المال لأجهز نفسي بملابس جديدة، فدخلت المعرض الدولي للكتاب لأول مرة في حياتي، اشتريت كتبًا بكل ما لدي، أردت اقتناء كل كتب ماركيز، غضضت الطرف عن ملازم الحوثي وتفرست الملامح العابسة للشبان الثلاثة وانصرف إلى زاوية أخرى، لم أنس أن آخذ كتابًا عن روسو ترجمه عبدالله العروي، ولتفادي ردة فعل أبي، اشتريت كتابًا كنت قد قرأته من قبل بصيغة البي دي إف، يتحدث الكتاب حول تجربة تركيا، وأبي معجبًا بتجربة أنقرة.
عدت إلى البيت أحمل كيسًا من الكتب، فتشته الأسرة بحثًا عن قطعة شال أو حذاء جديد، كل ما وجدوه كتب..كتب.. إلتفت أبي نحوي وقال: بن ايروس.. يوم العرس شابصر إنك اشتلبس التجربة التركية.
كان ذلك آخر معرض كتاب تشهده البلاد تقريبًا، إذ بعدها مباشرة تحول أصحاب البقعة الشاذة في المعرض، المربع المعتم الخاص بالملازم، تحولوا إلى قادة حرب يحملون الكنى والجعب فاندلعت النار، تقطعت طرق دور النشر، الصالة صارت أنقاضًا جوار مقبرة لضحايا المدينة، ماركيز يخفي ملامحه لاجتياز نقاط المليشيا، ومازلت ألوم نفسي: لموه ما اشتريناش منهم الملازم علشان نسكه الحرب.
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى