كتابات خاصة

القبح الجميل

فكرية شحرة

فقدت رضا أسنانها الأمامية بحادث صدام مع حائط ظل ثابتاً بخلافها؛ أصر أن يقف في طريقها وهي تجري فكان صداما دامياً.

فقدت رضا أسنانها الأمامية بحادث صدام مع حائط ظل ثابتاً بخلافها؛ أصر أن يقف في طريقها وهي تجري فكان صداما دامياً.
كان ذلك في سني مراهقتها الأولى؛ لينهار عالمها الوردي بعدها كجبل ملحي في فيضان.
لسانها الفضولي يتحسس فجوة الغياب في فمها كل لحظة؛ فتصاب كل مرة بذات الشعور من الصدمة والهول.
لم تعد تفتح فاها الا لتأكل لقيمات سريعة بتكتم شديد؛ أما الضحك فقد تم الغاؤه من نشاطها اليومي واكتفت بابتسام وقور لا ينفرج له فمّ.
حزن كسير ظل يلاحقها سنوات طويلة حتى التقت برفيقتها فاتن؛ التي لم تعد فاتن.
فقد صارت إثر حادث مؤلم أيضا بدون أحدى عينيها ..
كان منظر عينها المقلوبة مخيفا؛ ظاهرا لكل ذي عينين؛ لا يمكن أن تطبق عليه جفنها أو شفتيها كما تفعل رضا حين تخفي فجوة أسنانها المفقودة.
كلما طالعت رضا وجه فاتن ابتسمت في أمل أن تتعايش مع نقصها الذي أفسد وجهها ولا مقدرة مادية  في التدخل لإصلاحه..
هكذا هم البشر يعتادون مظاهر النشاز في أجسادهم؛ يتعايشون مع القبح في ملامحهم؛  يتقبلون ذلك النقص بنفس راضية بقدرها ..
يبتسمون له بشفقة أحياناً..
قد يدارونه بحرج أو يبذلون جهدهم لتغييره وتحسينه؛ لكنه في كل حال يظل القبح الجميل.
إنما تلك التشوهات في الأخلاق والذوق من يحتملها ومن يتعايش معها؟
من ذا يغض الطرف عنها كقدر وحادث عرضي؟!!
خاصة حين يجمع القاصي والداني والمنصف والمجحف على وجودها في شخص بعينه.
عيوب الأخلاق هي القبح المشين الذي لن نبتسم له بشفقة أو نبكي من أجله بصمت؛ أو نواسي صاحبه تشجيعا؛ بل نبتعد عنها ما استطعنا ونحارب تشوهاتها ما قدرنا.
هي تحتاج إما إلى مبضع النصح والزجر أو جراحة النفي والتجاهل.
حتى لا يأتي ذلك اليوم ونتقبل قبح الأخلاق كواقع طبيعي بيننا.
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى