كتابات خاصة

الثورة بين الوعي والمؤامرة

أحمد ناصر حميدان

الربيع العربي، واليمني منه بالخصوص، هو ثورة وعي، جمع كل القوى الوطنية الشغوفة بالتغيير   من أقوال الجنرال الفيتنامي فون نجوين جياب (الثورة التي لا يقودها الوعي تتحول لإرهاب، والثورة التي يغدق عليها بالمال تتحول للصوص ومجرمين).
ورؤية أفلاطون أن أول مهمة للفلاسفة والنخب المثقفة والمفكرين، إضفاء صفة العلم على الأخلاق والسياسة لتطابقهما مع منطق الخير والحق، نخب يفترض أن تكون  أمنتها تنشئة دقيقة لمسار دولة وحقبة نتغنى بها اليوم جنوبا وشمالا، قديما وحديثا، ويقصد بالنخب هنا النخبة السياسية التي تمتلك معرفة علم السياسي الذي لا علم بعده، وخبرة الممارسة، علم الحق والخير أي أنه العقل المستنير تماماً.
فالربيع العربي، واليمني منه بالخصوص، هو ثورة وعي، جمع كل القوى الوطنية الشغوفة بالتغيير، وكسر حاجز الخوف والصمت، ليستعيد الشعب حق تقرير مصيره، كمصدر للسلطات، وبناء الدولة الضامنة للمواطنة والحريات والعدالة، وفق منطق الخير والحق، ثورة هزت أركان النظام وتعرى بفساده واستبداده، حاول قمعها بالعنف، ولكن العنف زادها اشتعالا و وتيرة، واكد عدالتها، ثورة كانت على وشك أن تعالج كل الشروخ الاجتماعية، وترمم النسيج، كنت في ساحات الجنوب، بدأت تتعالى بعض الأصوات تنادي بواحدية الثورة، وبدا التعصب يزول بالتدريج، قال احدهم وجب أن نعتذر للشمال، ونحترم تلك الجماهير، ونكون جزءا من هذا الغضب العارم والثورة المباركة.
33 سنة كانت كافية ليحتاط النظام لحماية نفسه، مفخخا المجتمع شمالا وجنوبا ببؤر ودهاليز، قادر من خلالها التأمر والخديعة، وركز على إفراغ الثورة من قيمها وأخلاقياتها وعدالتها، في الشمال والجنوب معا، وتحويل الصراع لخدمته، مستفيدا من مجتمع يسوده التخلف والقهر، ففعل تخلفه، زاد من حدة القهر لديه، لتفكيكه طائفيا مناطقيا، وترسيخ نوازع التسلط الفردي والفئوي، ليسهل إدارته، كل ذلك تم بدهاء وخبث، تغذية الكراهية بالجنوب لحد العنصرية، وشيطنة الأحزاب السياسية لضرب أدوات التنمية السياسية والديمقراطية، لصالح أدوات الصراع والشتات طائفيا و مناطقيا، واستنهاض أدوات العنف والثارات والأحقاد والانتقام، لتطغي على القوى الناعمة من مثقفين ومفكرين والمرأة ونشطاء الشباب الواعي بأفكارهم الجديدة الساعية للتغيير والنهضة، بمعنى أدق اُنهض كل شي زرع في المجتمع تحسبا لهذه اللحظة، برغد مالي أنشئ لأجل ذلك مؤسسات إعلامية وصحف ومواقع الكترونية، وفريق عمل اندس بين مكونات الثورة، وصار ينادي بشعاراتها منزوعة الدسم الأخلاقي والقيمي ومبادئ الحق والخير، فتح كل الجروح وأدماها، بل هيج بعض المقهورين، وأشعل من حماسهم في اتجاه، ضرب قيم وأخلاقيات وعدالة الثورة، وفعل وتيرة الخصومة المناطقية والطائفية، جنوب ضد الشمال، وشيعة ضد السنة والعكس.
كان يحاور وهو يتآمر، وبدعم إقليمي، معدا للانقلاب على مخرجات الحوار، انقلابا في الشمال والجنوب معا، يتذكر المتابع الفطن للأحداث، قول زعيمهم الذي وقع في شر أعماله من مؤامرات ودسائس، سأعلمهم كيفية المعارضة، هذه هي العقلية التي ترى في المعارضة فرصة للتآمر، لا تهتم لبناء وطن، والنتيجة واقعنا اليوم حرب عبثية، أنتجت كيانات طارئة طائفية ومناطقية، ولدتها ظروف المؤامرة، كيانات ولدت من رحم الصراعات والانقسامات المتعاقبة، أنهضتها دول إقليمية ماليا وعسكريا، وطعمتها بأدوات الاستبداد، كيانات مشبعة بالثار والأحقاد والانتقام، جذر من جذور المشكلة فلا يمكن أن تقدم حلول، بل تتحول لأداة للمشكلة ذاتها وتفاقمها، وتصدر الجهل والتخلف للمشهد.
اليوم مشكلتنا الأساسية هي تلك الكيانات وحروبها العبثية، وأطماع ممونها، التي تجعل من شبابنا وقود، والوطن ساحة لحرائق تأكل الأخضر واليابس، ساحة للموت والانتهاكات والجرائم، وطن يفقد سيادته وكرامته وعزته، وتحول أبنائه لأدوات بيد الطامعين فيه، وشرفائه وعقوله المستنيرة ضحايا، وطن يئن ويتألم، ومواطن يكتوي من هذا الآنيين والألم، جوع وفقر ووباء، وموت وانتهاك ومذلة، ونخب تهاونت وخدعة، وصمتت، وان صرخت فلا مجيب لصراخها.
المقال خاص بـ(يمن مونيتور) ويمنع إعادة نشره دون الإشارة إلى مصدره الأصلي.
*المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن سياسة “يمن مونيتور”.
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى